الرد على شبه تجويز إقامة الموالد

 س : لقد سمعت منكم مؤخراً أن المولد الشريف من المنكر والبدع ، وأود أن أقول وأسأل هنا ، إن في المولد الشريف يجتمع الناس على الأخوة والتقوى ، وقراءة شيء من القرآن الكريم ، والسنة النبوية الشريفة ، وقراءة شيء من الشعر الذي قيل قديماً ، إما بمدح الإسلام ، أو الرسول العظيم ، وهذا كل ما يحدث ، وليس في ذلك ما يعارض الشريعة الإسلامية ، أرجو توضيح ذلك ولكم كل تقديري واحترامي ؟

ج : لا ريب أن الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام قد يقع فيه شيء مما ذكره السائل بالنسبة لأهل العلم وأهل البصائر ، ولكن ينبغي أن يعلم أننا عبيد مأمورون لا مشرعون ، علينا أن نمتثل أمر الله ، وعلينا أن ننفذ شريعة الله .
 وليس لنا أن نبتدع في ديننا ما لم يأذن به الله ، يجب أن نعلم هذا جيداً ، الله سبحانه يقول : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}.
 ويقول المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح ، الذي رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، يعني : فهو مردود على من أحدثه ، وفي لفظ آخر عند مسلم : من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ، وجاء في هذا المعنى أحاديث كثيرة ، تدل على تحريم البدع ، وأن البدع هي المحدثات في الدين ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عليه الصلاة والسلام : "أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة" ، وتعلمون أن الرسول عليه الصلاة والسلام ، عاش بعد النبوة ثلاثاً وعشرين سنة ، ولم يحتفل بمولده عليه الصلاة والسلام ، ولم يقل للناس احتفلوا بالمولد، لدراسة السيرة أو لغير ذلك ، ولا سيما بعد الهجرة ؛ فإنها وقت التشريع ، وكمال التشريع ، فمات صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً من ذلك ، وأما حديث أنه سئل عن صوم يوم الاثنين؟ قال : "ذلك يوم ولدت فيه ، وبعثت فيه" ، فهذا لا يدل على الاحتفال بالموالد ، كما يظن بعض الناس ، وإنما يدل على فضل يوم الاثنين ، وأنه يوم شريف ، لأنه أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه ولأنه ولد فيه عليه الصلاة والسلام ، ولأنه يوم تعرض فيه الأعمال على الله عز وجل ، فإذا صامه الإنسان ، لما فيه من المزايا ، فهذا حسن ، أما أن يزيد شيئاً غير ذلك ، فهذا عمل ما شرعه الله ، إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ولدت فيه " ؛ لبيان فضل صومه ، ولما سئل في حديث آخر عن صوم يوم الاثنين والخميس ، أعرض عن الولادة ، وقال في يوم الاثنين والخميس : إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله ، وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم ، وسكت عما يتعلق بالمولد ، فعلم بذلك أن كونه يوم المولد ، جزء من أسباب استحباب صومه ، مع كونه تعرض فيه الأعمال على الله ، وكونه أنزل عليه الوحي فيه ، فهذا لا يدل على الاحتفال بالموالد، ولكن يدل على فضل صيام يوم الاثنين ، وأنه يصام لهذه الأمور ، كونه ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكونه أنزل عليه الوحي فيه ، ولأنه تعرض فيه الأعمال على الله عز وجل ، ولو كان الاحتفال بالموالد ، أو بمولده عليه الصلاة والسلام ، أمراً مشروعاً أو مرغوباً فيه لما سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهو المبلغ عن الله ، وهو أنصح الناس ، ولا يمكن الظن به أنه يسكت ، عن أمر ينفع الأمة ، وينفعه عليه الصلاة والسلام ، وهو في طاعة الله عز وجل ، وهو أنصح الناس ، وهو ليس بغاش الأمة ، وليس بخائن ولا كاتم ، لقد بلغ البلاغ المبين عليه الصلاة والسلام ، وأدى الأمانة ونصح الأمة ، وكل شيء لم يكن في وقته مشروعاً ، فلا يكون بعد وقته مشروعاً ، فالتشريع من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أوحى الله إليه جل وعلا ، وصحابته المبلغون عنه ، ويحملون عنه ما بلغه الأمة ، فهو لم يبلغ الناس أن الاحتفال بمولده مطلوب ، لا فعلاً ولا قولاً ، وصحابته ما فعلوا ذلك ، ولا أرشدوا إليه ، لا بأفعالهم ولا بأقوالهم وهم أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم أعلم الناس بالسنة ، وهم أفقه الناس ، وهم أحرص الناس على كل خير ، فلم يفعلوه ثم التابعون لهم كذلك ، ثم أتباع التابعين ، حتى مضت القرون المفضلة ، فكيف يجوز لنا أن نحدث شيئاً ما فعله هؤلاء الأخيار ، وما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا أرشد إليه ولا فعله صحابته رضي الله عنهم ، ولا أتباعهم بإحسان في القرون المفضلة ، وإنما أحدثه بعض الشيعة ، بعض الرافضة ، أحدثه أول من أحدثه شيعة بني عبيد القداح ، شيعة الفاطميين ، الذين قال فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : إن ظاهرهم الرفض ، وباطنهم الكفر المحض ، هم الفاطميون الذين ملكوا المغرب ومصر والشام ، على رأس المائة الثالثة ، وبعدها إلى القرن الخامس ، وأول السادس فالمقصود أن هؤلاء هم الذين أحدثوا الأعياد ، بالاحتفال بالموالد كما ذكر جماعة من المؤرخين ، أحدثوا ذلك في المائة الرابعة ثم جاء بعدهم من أحدث هذه الأشياء ، أحدثوها لمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وللحسن والحسين وفاطمة وحاكمهم ، فالمقصود أنهم هم أول من أحدث هذه الموالد ، فكيف يتأسى بهم المؤمن في بدعة أحدثها الشيعة ، هذا من البلاء العظيم ، ثم أمر آخر وهو أنه قد يقع في هذه الاحتفالات ، في بعض الأحيان في بعض البلدان ، شرور كثيرة ، قد يقع فيها من الشرك بالله ، والغلو في النبي صلى الله عليه وسلم ، ودعائه من دون الله ، والاستغاثة به ومدحه بما لا يليق إلا بالله ، كما في البردة ، فإن صاحب البردة قال فيها
يـا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به      سـواك عنـد حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي       فـضلاً وإلا فقــل يــا زلــة القــدم
فــإن مــن جـودك الدنيـا وضرتهـا    ومـن علـومك علـم اللـوح والقلم
فأي شيء أبقاه لله عز وجل بهذا الغلو العظيم ؟! وكثير من الناس يأتون بهذه القصيدة في احتفالاتهم وفي اجتماعاتهم ، وهي قصيدة خطيرة فيها هذا الشرك العظيم ، المقصود أن كثيراً من الاحتفالات في بعض البلدان ، يقع فيها الشرك الأكبر ، بسبب الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم ، والغلو في مدحه ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبد ، فقولوا عبد الله ورسوله ، ويقع فيها في بعض الأحيان أيضاً منكرات أخرى ، من شرب الخمور ومن الفواحش والزنى ، واختلاط الرجال بالنساء ، هذا يقع في بعض الأحيان ، وقد أخبرنا بهذا من لا نتهم ، وإن كانت بعض الاحتفالات سليمة من هذا ، والحاصل أنه بدعة مطلقاً ، حتى ولو كان على أحسن حالة ، لو كان ما فيه إلا مجرد قراءة السيرة ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو بدعة بهذه الطريقة ، أن يحتفل به في أيام مولده ، ربيع الأول على طريقة خاصة ، كل سنة أو في يوم يتكرر ، يعتاد باسم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، هذا يكون بدعة لأنه ليس في ديننا هذا الشيء ، وأعيادنا عيدان : عيد النحر وعيد الفطر وأيام النحر ويوم عرفة ، هذه أعياد المسلمين ، فليس لنا أن نحدث فيها شيئاً ما شرعه الله عز وجل ، وإذا أراد الناس دراسة السيرة فيدرسوها بغير هذه الطريقة ، يدرسونها في المساجد ، وفي المدارس ، سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مطلوبة ، تجب دراستها والتفقه فيها في المدارس وفي المعاهد ، وفي الكليات ، وفي البيوت ، وفي كل مكان ، لكن بغير هذه الطريقة ، وبغير طريقة الاحتفال بالمولد ، هذا شيء وهذا شيء فيجب على أهل العلم التنبه لهذا الأمر ، وعلى طالب العلم أن يتنبه لهذا الأمر ، وعلى محب الخير التنبه لهذا الأمر ففي السنة خير وسلامة ، والبدعة كلها شر وبلاء . رزق الله الجميع العافية والهدى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.