أخطاء الحجاج

 (1)

أخطاء في الطواف:

شرع الله تعالى للحاج إلى بيته الكريم أن يطوف عدة طوَافات عند أدائه لمناسك حجه، ويعدُّ طواف القدوم سنة من السنن، بينما يُعدُّ طواف الإفاضة ركناً من أركان الحج، أما طواف الوداع فيعتبر واجباً من واجباته.

ويراعي المسلم في طوَافاته تلك أن يطوف كما طاف النبي صلى الله عليه وسلم، وأرشد إليه، بحيث يأتي بواجبات الطواف، ويحرص على سننه، ويبتعد عن المخالفات والأخطاء التي يقع فيها بعض الحجاج، وفيما يلي جملة من هذه الأخطاء:

أولاً: التلفظ بالنية عند إرادة الطواف: فبعض الحجاج والمعتمرين إذا أراد أن يطوف وقف مستقبل الحجر ثم يقول: "اللهم إني أطوف سبعة أشواط للعمرة، أو اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط للحج، أو اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط تقرباً إليك" وما أشبه ذلك من الألفاظ، وهذا خطأ؛ لأن التلفظ بالنية بدعة؛ لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يأمر أمته بها، وكل من تعبد لله بأمر لم يتعبد به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أمر أمته به؛ فقد ابتدع في دين الله ما ليس منه.

ثانياً: ابتداء الطواف قبل الحجر الأسود: والواجب الابتداء به.

ثالثاً: الطواف من داخل حِجْر إسماعيل: لأنه الطائف حينئذ لا يكون قد طاف بالكعبة، وإنما طاف ببعضها؛ حيث أن الحِجْر من الكعبة، وقد سُئِل العلامة ابن باز رحمه الله عن: "رجل طاف من داخل حجر إسماعيل، وسعى وحل الإحرام، ثم ذهب إلى داره وجامع زوجته، هل عليه إثم في ذلك"، فأجاب: "هذه العمرة فاسدة؛ لأن طوافه غير صحيح، فعليه أن يعيد الطواف، والسعي، ويقصر شعره، وعليه دم شاة تذبح في مكة عن جماعه زوجته قبل إتمام عمرته، لأن طوافه من داخل الحجر غير صحيح، لابد أن يطوف من وراء الحجر، وبذلك تتم عمرته الفاسدة، ثم يأتي بعمرة أخرى صحيحة بدلاً عنها من الميقات الذي أحرم بالأولى منه، هذا هو الواجب عليه؛ لفساد عمرته الأولى بالوطء"[1].

رابعاً: الرمَّل في جميع الأشواط السبعة: والرمل هو الإسراع في المشي مع مقاربة الخُطى، ولا يكون إلا في الأشواط الثلاثة الأولى من طواف القدوم خاصة.

خامساً: ترك الاضطباع في طواف القدوم: وبعض الناس على العكس ربما يضطبع من حين يحرم إلى أن يحل، وهذا ليس بوارد، بل الوارد الاضطباع في طواف القدوم خاصة؛ يقول ابن باز رحمه الله: "السنَّة للمحرم في طواف القدوم أن يضطبع بردائه، وهو أن يجعل وسطه تحت إبطه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر، فإذا فرغ من الطواف أزال ذلك، وجعل الرداء على كتفيه قبل أن يصلي ركعتي الطواف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:  لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء  رواه البخاري (359) ومسلم (516)؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم كانوا يضعون الرداء على العاتقين في الصلاة وخارجها"[2].

سادساً: الوقوف عند الحجر الأسود أو ما يحاذيه مدة طويلة، وفي ذلك تضييق على غيره من الطائفين. والسنة أن يستلم الحجر أو يشير إليه ويمضي دون توقف.

سابعاً: اعتقاد أن الطواف لا يصح دون استلام الحجر الأسود، والمزاحمة الشديدة لتقبيل الحجر الأسود: بل أحياناً يصل الحال إلى المضاربة والمشاتمة وذلك لا يجوز لما فيه من الأذى للمسلمين، ولأن الشتم والضرب لا يجوز من المسلم لأخيه بغير حق في الحال العادي فكيف وهو في الحج أو في بيت الله الحرام.

كما أن ترك التقبيل لا يضر الطواف، بل يعتبر الطواف صحيحاً، وتكفي الحاج الإشارة والتكبير إذا حاذاه ولو بعيداً عنه، وقد سئل العلامة ابن جبرين رحمه الله بسؤال نصه: "نرى كثيراً من الناس يتدافعون من أجل تقبيل الحجر الأسود في غير الطواف، فهل تقبيله في غير ذلك واجب أم سُنَّة؟" فأجاب: "... الصحيح أن تقبيل الحجر تابع للطواف، يُقبله أو يستلمه عند ابتداء الطواف، وعند مُحاذاته في كل شوط، وكذا عند الانتهاء من الطواف، وركعتيه إذا أراد الخروج إلى الصفا، فيُقبله إن قدر أو يمسه بيده ثم يُقبله، أو يستلمه بعصا أو محجن ويُقبل المحجن، فإن عجز أشار إليه بيده عند مُحاذاته، ولا يُقبل شيئاً، ولا يجوز له التدافع، ولا شدة الزحام؛ بل إن وجد سعة استلمه، وإلا مضى، فأما تقبيله كقربة وعبادة فإن ذلك غير مشروع، فالذين يزدحمون عليه كل وقت وهم ليسوا محرمين، وليسوا طائفين؛ نرى أنهم مُبتدعة؛ فإنه حجر عادي كما قال عُمر رضي الله عنه: "إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبلك ما قبَّلتك"، لكن جاء في الحديث: أن مسحهما (يعني الركنين) يحطُّ الخطايا، فيعتبر ذلك اتباعاً وتعبداً، ويُقتصر على ما ورد به الشرع"[3].

ثامناً: تمسح بعض الحجاج أو المعتمرين بالحجر الأسود التماساً للبركة منه، وبعض الناس يمسحه بيده ثم يمسح بها جسده، وأجساد أبنائه تبركاً، وهذا لا يجوز، بل هو بدعة لا أصل له في الشرع، وربما اعتقد بعض العامة أنها تضر وتنفع ولذا تراهم يتبركون ويتمسحون بها، وهذا خطأ فادح، وفعل شنيع، ووسيلة إلى الشرك بالله تعالى، ويجب تنبيه من فعل ذلك، وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: "إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبِّلك ما قبلتك" رواه البخاري (1494) ومسلم (2228).

والسنَّة هي استلام الحجر وتقبيله فقط إن تيسر ذلك، وإلا فإنه يشير إليها إشارة بعصا أو بيده .يقول العلامة ابن باز رحمه الله: "يُشرع للطائف استلام الحجر الأسود، والركن اليماني في كل شوط، كما يستحب له تقبيل الحجر الأسود واستلامه بيده اليمنى إذا تيسر ذلك بدون مشقة، أما مع المشقة والزحام فيُكره، ويشرع أن يشير إلى الحجر الأسود بيده أو بعصا ويكبر، أما الركن اليماني فلم يرد فيه فيما نعلم دليل يدل على الإشارة إليه، وإن استلم الحجر الأسود بيده أو بعصا قبّله تأسياً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذا لم يتيسر تقبيله مباشرة"[4].

تاسعاً: استلام جميع أركان الكعبة وربما جميع جدرانها، والتمسح بها: وليس ذلك من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، إذ لم يستلم من الكعبة سوى الحَجَر الأسود، والركن اليماني.

عاشراً: تخصيص كل شوط من أشواط الطواف بدعاء خاص: إذ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أنه كان يكبِّر كلما أتى على الحجر الأسود، ويقول بينه وبين الركن اليماني في آخر كل شوط:  ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار  . فالدعاء والذكر مندوب أثناء الطواف ، ويدعو كل إنسان بحاجته وما يفتح الله عليه. قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : " ليس فيه ـ يعني الطواف ـ ذكر محدود عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بأمره ولا بقوله ولا بتعليمه، بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية، وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب ونحو ذلك فلا أصل له ".

حادي عشر: رفع الصوت في الطواف من بعض الطائفين أو المطوِّفين رفعاً يحصل به التشويش على الطائفين، ويذهب بسببه السكينة والوقار والخشوع. واجتماع بعض الناس على قائد يلقنهم الدعاء، فهذا خلاف السنة، وتشويش على الطائفين.

ثاني عشر: أن بعض الناس لا يلتزم بجعل الكعبة عن يساره: فتجده يطوف معه نساؤه وقد وضع يده مع زميله لحماية النساء، فتجده يطوف والكعبة خلف ظهره، وزميله الآخر يطوف والكعبة بين يديه، وهذا خطأ أيضاً، لأن أهل العلم يقولون: شرط صحة الطواف أن يجعل الكعبة عن يساره، فإذا جعلها خلف ظهره، أو جعلها أمامه، أو جعلها يمينه وعكس الطواف؛ فكل هذا طواف لا يصح.

والواجب على الإنسان أن يعتني بهذا الأمر، وأن يحرص على أن تكون الكعبة عن يساره في جميع طوافه.

ومن الناس من يتكيف في طوافه حال الزحام، فيجعل الكعبة خلف ظهره أو أمامه لبضع خطوات من أجل الزحام، وهذا خطأ، والواجب على المرء أن يحتاط لدينه، وأن يعرف حدود الله تعالى في العبادة قبل أن يتلبس بها، حتى يعبد الله تعالى على بصيرة.

ثالث عشر: التمسح بالمقام وتقبيله رجاء بركته. وهذا خطأ، والصواب أن المقام لا يُتمسح به ولا يقبّل ؛ لأن هذا لم يرد على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد تقبيل شيء غير الحجر الأسود أثناء الطواف وبعده.

رابع عشر: انصراف البعض من الطواف قبل خطوات يسيرة من الوصول إلى الحجر الأسود، والواجب عليه التيقن من إتمام الطواف، لأن ترك جزء من الشوط يبطله.

مخالفات نسائية في الطواف:

ما ذكرناه سابقاً من الأخطاء التي يقع فيها بعض الحجاج أو المعتمرين يشترك فيها الرجال والنساء، لكن ثمة أخطاء تقع فيها بعض النساء بخاصة، ومن ذلك:

أولاً: كشف المرأة وجهها في الطواف أو عند تقبيل الحجَر: معللة ذلك بأن المرأة المحرمة لا يجوز لها أن تغطي وجهها، والصواب أن المرأة المحرمة لا تستر وجهها إذا لم تكن بحضرة الرجال الأجانب، أما إذا وجد الرجال الأجانب - ولا يخلو غالباً الحرم من ذلك -؛ فيجب عليها ستر وجهها بالخمار ونحوه كما لو كانت غير محرمة.

ثانيًا: لبس النقاب والقفازين: والنقاب هو الذي يوضع على الوجه، ويكون فيه نقب للعينين، والقفازان هما اللذان يلبسان في اليد، والصواب أن المرأة المحرمة يحرم عليها أن تلبسهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة عن لبسهما حال الإحرام، بقوله:  ولا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين  رواه البخاري (1838).

ثالثًا: بعض النساء يطفن حول الكعبة وهن حيِّض، ولا يخبرن أهلهن حياء: وهذا يترتب عليه دخول المرأة المسجد، وطوافها بالبيت وهي حائض، وهذا لا يحل للمرأة، وعليها التوبة والاستغفار، والصواب أن المرأة إذا حاضت لا تدخل المسجد، ولا تطوف بالبيت حتى تطهر. فإن فعلت فعليها التوبة والاستغفار وإعادة الطواف إذا كان ركناً أو واجباً.

رابعًا: طواف المرأة بالزينة والروائح النفاثة وعدم التستر: وهذا من المنكرات العظيمة، والواجب على المرأة أن تستتر، وألا تظهر زينتها، وعليها أن تحرم في ملابس غير لافتة للنظر، وغير جميلة، بل عادية ليس فيها فتنة؛ لأنها تختلط بالناس، وأما الطيب فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة إذا خرجت مستعطرة ليجد الرجال ريحها فهي زانية، وأخبر بأن طيب النساء ما ظهر لونه، وخفي ريحه.

خامسًا: رفع النساء أصواتهن بالدعاء: والمرأة مأمورة بأن تسر بالدعاء، فلا تسمع إلا نفسها؛ لأن صوتها عورة، وفيه فتنة للرجال.

سادسًا: مزاحمة النساء للرجال: مع العلم بأنه لا يجوز للنساء مزاحمة الرجال، بل يطفن من ورائهم، وهذا خير لهن، وأعظم أجراً من الطواف قرب الكعبة مع مزاحمتهن الرجال.

فهذه بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الحجاج والمعتمرين في الطواف سوءاً كان الطواف طواف قدوم، أو إفاضة، أو وداع، أو طواف نفل وتطوع. فليحذرها المسلم وليبتعد عنها.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

________

[1] مجموع فتاوى ابن باز (17/212-213).

[2] مجموع فتاوى ابن باز (2/122).

[3] فتاوى ابن جبرين في الحج (3/18).

[4] اختيارات سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز في الحج (ص11).


(2)

أخطاء في السعي:

شرع الله تعالى لعباده طاعته، وبيَّن لهم كيف تكون عبادته، فحذَّرهم من اتباع غير سبيل المؤمنين، ومن طريق الجاهلين، وأنزل كتاباً عزيزاً فيه الذكر الحكيم، والصراط المستقيم، وجعل هدي خير المرسلين هو الموصل إلى جنة رب العالمين، ولا سبيل إلى ذلك إلا باتباع سبيل خير سالك صلوات الله وسلامه عليه.

إن العلم الذي لا بد ألا يغيب عن المسلم هو علم ما هو مكلف بفعله، وفي هذا المقال سنتحدث عما ينبغي لمن سهَّل الله له طريق الحج، ومكَّنه من اللحاق بركب الحجيج؛ أن يحرص عليه كل الحرص حتى يكون حجُّه كاملاً، وعمله مقبولاً، ومن أبرز أسباب الكمال والقبول تفادي الأخطاء التي قد تفسد الحج، أو تأتي على شيء من الأجر، فيحرم الحاج بسبب جهله خيراً كثيراً، وأجراً وفيراً.

ولعلنا نقف على جبل الصفا لننظر إلى تلك الأخطاء التي يقع فيها بعض الحجيج وهم يسعون بين الصفا والمروة، فنترك ما كان منها خطأ، وننصح من استطعنا نصحه، راجين من الله العفو والصفح عن زلاتنا، وتقبل طاعاتنا.

ومن تلك الأخطاء:

1- الوضوء لأجل المشي بين الصفا والمروة بزعم أن من فعل ذلك كتب له بكل قدم سبعون ألف درجة!.

2- الاضطباع في السعي، وهذا خطأ؛ فالاضطباع لا يكون إلاَّ في طواف القدوم فقط، أما في بقية المناسك فلا يُشرع، وعلى الحاج أو المعتمر تغطيةُ كتفيه بالإحرام، وعدم كشفهما؛ لأن ذلك لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

3- الصعود على الصفا حتى يلصق بالجدار.

4- التلفظ بالنية عند بداية السعي.

5- البدء بالمروة قبل الصفا.

6- ترك بعض الناس قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) سورة البقرة عند الصعود على الصفا.

7- تقديم سعي العمرة على الطواف ( وهذا لا يجوز عند جماهير أهل العلم، واستثنى بعضهم الناسي والجاهل).

8- قراءة: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ في كل شوط من أشواط السعي، وهذا غير صحيح؛ لأن الصواب قراءتُها مرةً واحدةً عند الاقتراب من الصفا في بداية السعي فقط، وبعد تمام الطواف، ولا تقرأ عند المروة كما يقول العلامة ابن باز رحمه الله: "أما تكرار ذلك فلا أعلم ما يدل على استحبابه" 1 ، ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ولا يعيدها مرة ثانية، لا تقرأ عند المروة، ولا تقرأ عند الصفا في المرة الثانية، لا تقرأ إلا مرة واحدة إذا دنا من الصفا أول مرة، فإن هذه هي سنة الرسول عليه الصلاة والسلام" 2 .

9- ترك التكبير والصفة الواردة عند الصعود على جبل الصفا. وكذلك ترك الوقوف والدعاء على الصفا. ولا يشترط في الدعاء أن يرقى الجبل.

10- تخصيص بعض الأدعية لأشواط السعي كما هو موجود في بعض الكتيبات، وهذا غيرُ صحيح؛ فليس هناك دعاءٌ محددٌ لكل شوطٍ، وإنما على الحاج أو المعتمر الانشغال في سعيه بذكر الله جل وعلا، أو قراءة القرآن الكريم، أو الدعاء لنفسه ولإخوانه المسلمين بصالح الدعاء قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ويستحب له في الطواف أن يذكر الله تعالى، ويدعوه بما يشرع، وإن قرأ القرآن سرّاً فلا بأس، وليس فيه ذكر محدود عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بأمره، ولا بقوله، ولا بتعليمه، بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية، وما يذكره كثير من الناس من دعاء معيَّن تحت الميزاب، ونحو ذلك؛ فلا أصل له، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يختم طوافه بين الركنين بقوله: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار ، كما كان يختم سائر دعائه بذلك، وليس في ذلك ذكر واجب باتفاق الأئمة" 3 .

11- رفع الصوت بالدعاء، أو ترديد الدعاء الجماعي بشكلٍ يُشوش على الآخرين، ويقطعُ خشوعهم، وهذا خطأ كبيرٌ؛ فإن من آداب الدعاء المناجاة والخشية، والخشوع والانكسار لا الصراخ والصياح والإزعاج.

12- الدعاء في هبوطه من الصفا: (اللهم استعملني بسنة نبيك، وتوفني على ملته، وأعذني من مضلات الفتن...) على أنه مأثور.

13- الإشارة بالأيدي وتقبيلها عند صعود الصفا والمروة (والسنة استقبال الكعبة والدعاء).

14- عند الصعود على الصفا والمروة يكبر البعض مع رفع أيديهم وكأنهم يكبرون للصلاة، والصواب أن يرفع كفيه مثلما يفعل في الدعاء، فيكبر الله، ويأتي بالدعاء الوارد، ويدعو الله سبحانه بما يشاء مستقبلاً القبلة.

15- التكلف في صعود أعلى الجبل في الصفا، فتجد بعضهم يشق على نفسه بالصعود إلى أعلى الجبل، والصواب أن الرسول صلى الله عليه وسلم ارتقى على الصفا حتى رأى البيت، وهذا يحصل بقدر يسير من الصعود.

16- السعي أربعة عشر شوطاً (فيحسب أن من الصفا إلى المروة ثم إلى الصفا شوط).

17- السعي بشدة فيما بين الصفا والمروة كله (والسنَّة السعي بين العلمين الأخضرين فقط مع القدرة).

18- الإسراع بين العلمين الأخضرين في حال الزحام الشديد.

19- أمر النساء بالسعي الشديد بين العلمين!.

20- استمرارهم في السعي بين الصفا والمروة وقد أقيمت الصلاة حتى تفوتهم صلاة الجماعة.

21- صلاة ركعتين بعد الفراغ من السعي، على أن ذلك من السنة.

هذه بعض الأخطاء التي عُرِفَت واشتهرت في السعي بين الصفا والمروة، والتي ينبغي للحاج التنبه لها وتنبيه إخوانه الحجاج ونصحهم بالحسنى، ونسأل الله السداد والقبول.

_______

1 اختيارات سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في الحج (1/26).

2 اللقاء الشهري لابن عثيمين (1/169).

3 مجموع الفتاوى (26/122-123).


(3)

أخطاء تقع في عرفة:

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مكث يوم عرفة بنمرة حتى زالت الشمس ، ثم ركب، ثم نزل في بطن وادي عرنة، فصلى الظهر والعصر ركعتين ركعتين جمع تقديم، بأذان واحد وإقامتين، ثم ركب حتى أتى موقفه فوقف، وقال: وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، فلم يزل واقفا مستقبل القبلة رافعًا يديه يذكر الله ويدعوه حتى غربت الشمس وغاب قرصها فدفع إلى مزدلفة.

ومن الأخطاء التي يرتكبها الحجاج في عرفة ما يلي:

الأول: أن الحجاج يمرون بك ولا تسمعهم يلبون، فلا يجهرون بالتلبية في مسيرهم من منى إلى عرفة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة في يوم العيد.

الثاني: ومن الأخطاء العظيمة الخطيرة أن بعض الحجاج ينزلون قبل أن يصلوا إلى عرفة ، ويبقون في منزلهم حتى تزول الشمس، ويمثلون هناك إلى أن تغرب الشمس، ثم ينطلقون منه إلى مزدلفة، وهؤلاء الذين وقفوا هذا الموقف ليس لهم حج، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الحج عرفة ) . فمن لم يقف في عرفة في المكان الذي هو منها، وفي الزمان الذي عين للوقوف بها فإن حجه لا يصح للحديث الذي أشرنا إليه، وهذا أمر خطير.

والحكومة- وفقها الله- قد جعلت علامات واضحة لحدود عرفة لا تخفى إلا على رجل مفرط متهاون، فالواجب على كل حاج أن يتفقد الحدود حتى يعلم أنه وقف في عرفة لا خارجها.

ويا حبذا لو أن القائمين على الحجِّ أعلنوا للناس بوسيلة تبلغ جميعهم، وبلغات متعددة، وعهدوا إلى المُطَوّفين بتحذير الحُجّاج من ذلك، ليكون الناس على بصيرة من أمرهم، ويُؤَدُّوا حجَّهم على الوجه الذي تبرأ به الذِّمةُ.

الثالث: أن بعض الناس إذا اشتغلوا بالدعاء في آخر النهار، تجدهم يتجهون إلى الجبل الذي وقف عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن القبلة تكون خلف ظهورهم أو عن أيمانهم أو عن شمائلهم، وهذا أيضًا جهل وخطأ؛ فإن المشروع في الدعاء يوم عرفة أن يكون الإنسان مستقبل القبلة، سواء كان الجبل أمامه أو خلفه، أو عن يمينه أو عن شماله، وإنما استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الجبل؛ لأن موقفه كان خلف الجبل، فكان صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة، وإذا كان الجبل بينه وبين القبلة فبالضرورة سيكون مستقبلا له.

الرابع: أن بعضهم يظن أنه لا بد أن يذهب الإنسان إلى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم الذي عند الجبل ليقف هناك، فتجدهم يتجشَّمون المصاعب، ويركبون المشاق، حتى يصلوا إلى ذلك المكان، وربما يكونون مشاة جاهلين بالطرق فيعطشون ويجوعون إذا لم يجدوا ماء وطعاما ، ويضلـُّون في الأرض، ويحصل عليهم ضرر عظيم بسبب هذا الظن الخاطئ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ) . وكأنه صلى الله عليه وسلم يشير إلى أنه: ينبغي للإنسان ألا يتكلف ليقف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم، بل يفعل ما تيسر له، فإن عرفة كلها موقف.

الخامس: أن بعض الناس يعتقدون أن الأشجار في عرفة كالأشجار في منى ومزدلفة، أي : لا يجوز للإنسان أن يقطع منها ورقة أو غصنـًا أو ما أشبه ذلك؛ لأنه يظنون أن قطع الشجر له تعلق بالإحرام كالصيد، وهذا ظن خطأ، فإن قطع الشجر لا علاقة له بالإحرام، وإنما علاقته بالمكان، فما كان داخل حدود الحرم - أي : داخل الأميال - من الأشجار فهو محترم، لا يعضد ولا يقطع منه ورق ولا أغصان، وما كان خارجـًا عن حدود الحرم فإنه لا بأس بقطعه ولو كان الإنسان محرما، وعلى هذا فقطع الأشجار في عرفة لا بأس به، ونعني بالأشجار هنا الأشجار التي حصلت بغير فعل الحكومة، وأما الأشجار التي حصلت بفعل الحكومة، فإنه لا يجوز قطعها لا لأنها محترمة احترام الشجر في داخل الحرم، ولكن لأنه اعتداء على حق الحكومة وعلى حق الحجاج أيضا، لأن الحكومة- وفقها الله- غرست أشجارا في عرفة، لتلطيف الجو، وليستظل بها الناس من حر الشمس، فالاعتداء عليها اعتداء على حق الحكومة وعلى حق المسلمين عموما.

السادس: أن بعض الحجاج يعتقدون أن للجبل الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم قدسية خاصة، ولهذا يذهبون إليه، ويصعدونه، ويتبركون بأحجاره وترابه، ويعلقون على أشجاره قصاصات الخرق، وغير ذلك مما هو معروف، وهذا من البدع، فإنه لا يشرع صعود الجبل ولا الصلاة فيه، ولا أن تعلق قصاصات الخرق على أشجاره؛ لأن ذلك كله لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل فيه شيء من رائحة الوثنية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على شجرة للمشركين ينوطون بها أسلحتهم، فقال من معه: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الله أكبر، إنها السنن، لتركبن سنَن من كان قبلكم، قلتم- والذي نفسي بيده- كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ) .

وهذا الجبل ليس له قدسية، بل هو كغيره من الروابي التي في عرفة، والسهول التي فيها، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف هناك، فكان المشروع أن يقف الإنسان في موقف الرسول صلى الله عليه وسلم إن تيسر له، وإلا فليس بواجب، ولا ينبغي أن يتكلف الإنسان الذهاب إليه لما سبق.

السابع: أن بعض الناس يظن أنه لا بد أن يصلي الإنسان الظهر والعصر مع الإمام في المسجد، ولهذا تجدهم يذهبون إلى ذلك المكان من أماكن بعيدة ليكونوا مع الإمام في المسجد، فيحصل عليهم من المشقة والأذى والتيه ما يجعل الحج في حقهم حرجا وضيقا ، ويضيق بعضهم على بعض، ويؤذي بعضهم بعضا ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الوقوف: ( وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ) وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: ( جُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ). فإذا صلى الإنسان في خيمته صلاة يطمئن فيها بدون أذى عليه ولا منه، وبدون مشقة تلحق الحج بالأمور المحرجة، فإن ذلك خير وأولى.

الثامن: أن بعضهم يتسلل من عرفة قبل أن تغرب الشمس ، فيدفع منها إلى المزدلفة، وهذا خطأ عظيم، وفيه مشابهة للمشركين الذين كانوا يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، ومخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لم يدفع من عرفة إلا بعد أن غابت الشمس وذهبت الصفرة قليلا، كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه.

وعلى هذا فإنه يجب على المرء أن يبقى في عرفة داخل حدودها حتى تغرب الشمس؛ لأن هذا الوقوف مؤقت بغروب الشمس، فكما أنه لا يجوز للصائم أن يفطر قبل غروب الشمس، فلا يجوز للواقف بعرفة أن ينصرف منها قبل أن تغرب الشمس.

التاسع: إضاعة الوقت في غير فائدة، فتجد الناس من أول النهار إلى آخر جزء منه وهم في أحاديث قد تكون بريئة سالمة من الغيبة والقدح في أعراض الناس، وقد تكون غير بريئة لكونهم يخوضون في أعراض الناس ويأكلون لحومهم، فإن كان الثاني فقد وقعوا في محذورين:

أحدهما: أكل لحوم الناس وغيبتهم، وهذا خلل حتى في الإحرام؛ لأن الله تعالى يقول: { فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج }

 

والآخر: إضاعة الوقت. أما إن كان الحديث بريئا لا يشتمل على محرم ففيه إضاعة الوقت، لكن لا حرج على الإنسان أن يشغل وقته بالأحاديث البريئة فيما قبل الزوال، وأما الزوال وصلاة الظهر والعصر فإن الأولى أن يشتغل بالدعاء والذكر وقراءة القرآن، وكذلك الأحاديث النافعة لإخوانه إذا مل من القراءة والذكر، فيتحدث إليهم أحاديث نافعة؛ في بحث من العلوم الشرعية أو نحو ذلك مما يدخل السرور عليهم، ويفتح لهم باب الأمل والرجاء لرحمة الله سبحانه وتعالى، ولكن لينتهز الفرصة في آخر ساعات النهار، فيشتغل بالدعاء ويتجه إلى الله عز وجل متضرعا إليه، مخبتا منيبا طامعا في فضله راجيا ، لرحمته، ويلح في الدعاء، ويكثر من الدعاء الوارد في القرآن وفي السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا خير الأدعية، وإن الدعاء في هذه الساعة حري بالإجابة.

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.