فن التعامل مع الناس (3)

عبد الرحمن بن فؤاد الجار الله

سادساً: أساليب التعامل مع الناس:

في هذا العنصر أتطرق إلى بعض القضايا التي يحبها الناس وبعض القضايا التي يكرهونها، وتؤثر فيهم سلباً و إيجاباً وهذه الأساليب تجارب ناجحةٌ، لأن قدوتنا فيها هو نبينا - عليه أفضل الصلاة والسلام -. وهذه الأساليب لها شواهد من السنة ومن الواقع المُجرَّب أذكر منها ما يناسب، فمنها:

1ـ الناس يكرهون النصيحة في العلن:

لا يختلف اثنان في أن النصيحة في العلن يكرهها الناس، لأن كل الناس يكرهون أن تبرز عيوبهم أمام غيرهم، كل الناس مسلمهم وكافرهم. ولكن أخذ الفرد ونصحه على انفراد أدعى للقبول وأدعى لفهم المسألة.

2ـ لا تلُم أحداً عساكَ ألاّ تُلام (لا تُكثر من لوم الناس):

الناس يكرهون من يؤنب ويوبّخ في غير محل التأنيب ومن غير تأنٍ ودون السؤال والاستفسار، بل من الخطأ أن يتمادى الإنسان في التأنيب بعد أن يعتذر صاحبه ومن يتحدث معه فالناس جميعاً ومنهم نحن عاطفيون أولاً، ثم أصحاب منطقٍ وعقولٍ في الدرجة الثانية. إن لنا نفوساً ذات مشاعر وأهواء، وهي تريد من الآخرين أن يحترموها كما هي. فلماذا تحاول مناقضة نفوس الآخرين، بينما تعرف أن نفوسنا من نفس النوع؟ إن اللوم والتأنيب مُرُّ المذاق ثقيلٌ على النفس البشرية فحاول تجنبه حتى تكسب حُبَّ غيرك.

3ـ من الحكمة أن تُسلم بخطئك حين تخطيء:

إن الاعتراف بالخطأ يزيل التحامل الذي يمكن أن يتولد في صدر الخصم أولاً، ومن ثم يخفف أثر الخطأ ثانياً... فحين ترى أنك على خطأٍ اعمد إلى التسليم به، وهو كفيلٌ بأن يجعل الخصم يقف منك موقف الرحيم السريع العفو، وعلى العكس من ذلك إذا أصررت على الدفاع عن خطئك. وقديماً قيل: "المقر بذنبه كمن لا ذنب له".

4ـ إيَّاك والأنا:

الناس يكرهون دائماً من ينسب الفضل لنفسه، فإذا حدث إخفاقٌ ألقى بالتبعة على الآخرين وإذا حدث نجاحٌ نسبه لنفسه. جاء في بحثٍ إحصائيٍ قامت به مصلحة التليفونات في نيويورك: أنَّ كلمة (أنا) هي أكثر كلمةٍ ترِّن بها أسلاك شبكتها التليفونية. ومعنى ذلك أن اهتمام الناس كُلٌّ بنفسه، هو الصفة المسيطرة على البشر، فإذا كنت تهتم بنفسك أولاً، ولا تحاول اجتذاب الآخرين بالاهتمام بهم، فكيف تنتظر منهم أن يهتموا بك إذن؟.

5 ـ لا تُركِّز على السلبيات دون الحسنات:

خذ مثالاً: علاقة المرأة المسلمة بزوجها المسلم، والتي يمكن أن يُعممَ مغزاها في كل قضايا التعامل، يقول - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" (13). فما أحدٌ يسلم من العيوب فلا زوجة بلا عيوب، ولا صديق بلا عيوب، ولا رئيس ولا مرؤوس، يقول سعيد بن المسيب: "ليس من شريفٍ ولا عالمٍ ولا ذي فضلٍ إلا فيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تُذكر عيوبه " فمن كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله، ولا تذكر عيوب أهل الفضل تقديراً لهم.

وكم من الناس ننقدهم فإذا رأينا غيرهم حمدناهم.

بكيت من عمروٍ فلما تركته *** وجربت أقواماً بكيت على عمرو

والرسول - صلى الله عليه وسلم - يعطينا المثل فيذكِّرُ بفضل الأنصار، لأن البشر بطبعهم ينسون الحسنات. فقد أخرج البخاري قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أوصيكم الأنصار فإنهم كرشي وعيبتي (يعني بطانتي وخاصتي)، فقد قضوا الذي عليهم (يقصد أنهم وفوا بما تعهدوا به في بيعة العقبة)، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم " (14). إن هذا قمة الإنسانية والعدل.

6ـ الناس يكرهون من لا ينسى الزلات:

الناس يبغضون من لا ينسى زلاتهم ولا يزال يُذَكِّر بها ويمُنّ على من عفا عنه، فالناس يكرهون ذلك الإنسان الذي يُذَكِّرُ الناس بأخطائهم ويعيدها عليهم مرةً بعد مرةٍ. والله - عز وجل - يقول: "والعافين عن الناس". ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة " (15) فالذي يذكر ويعيد الخطأ يكره الناس الاجتماع به والارتياح إليه.

7ـ احذر من النقد المباشر:

الانتقاد لا يحتاج إلى موهبةٍ خاصةٍ أو بذل نشاطٍ كبيرٍ، ففي وسع أي أحمقٍ أن يُشنِّع على رجلٍ ذي عبقرية وتميزٍ وأن يتهمه ويسخر منه. دعنا نحاول أن نفهم الأخرين ونتلمس لهم الأعذار حين تقصيرهم فهذا أمتع من النقد المباشر. فطبيعة البشر تأبى ذلك. نعم، قد ينفذ الشخص المنتقد المطلوب منه ولو كان الأسلوب مباشر وبنقدٍ حادٍ، ولكن لو كانت الطريقة ألطف كان ذلك أدعى للقبول. ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوةً حسنةً، ومن ذلك ما ورد في قصة القوم الفقراء والذين جاؤوا وكانوا كلهم من مُضَر، وتأثر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما لهم من الفقر فقام وخطب الناس، ثم قال: "تصدق رجلٌ من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع تمره" (16). ولم يقل تصدقوا ولم يعاتبهم على عدم الصدقة، فانظر النتيجة: جاء رجلٌ من الأنصار بِصُرّة كادت تعجز يده عن حملها، بل عجزت، وقدمها للرسول - صلى الله عليه وسلم - فاستهل وجهه وقام الناس وتصدقوا فأصبح عنده كومة من الصدقات، وفرح الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: " من سَنَّ في الإسلام سُنةً حسنةً... " الحديث (17). وهكذا. فاحذر من النقد المباشر الذي لا تكسب منه سوى إيغار الصدور.

يتبع (8)

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.