التوبة النصوح

وقعت في ذنب عدة مرات، وفي كل مرة أتوب، ثم أرجع وأرتكب الذنب، وعاهدت الله مرتين في مكة معتمرة ألا أعود لذنبي، ومرت الأيام، وما إن جاء ما يذكرني بذلك الذنب حتى عدت لارتكابه، وأنا الآن نادمة لأنني لم أستطع الكف عن هذه المعصية، وأريد التوبة بشدة أكثر من أي وقت مضى، فهل سوف يرضى الله عني؟ إنني أستحي من مناجاته؛ لأنني نقضت العهد الذي قطعته على نفسي. أرشدوني مأجورين، وجزاكم الله خيراً.

 

الجواب

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فالذي ينبغي أن يعلم أن المسلم وإن كان مطلوباً منه الدوام على طاعة الله -عز وجل- كما يدل له قول الله تعالى: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} [الحجر:99]، وقوله -صلى الله عليه وسلم- لمن سأله عن قول جامع في الإسلام: "قل آمنت بالله ثم استقم" أخرجه مسلم وغيره، إلا أن العبد لا يخلو من الزلل والوقوع في الذنب مرة بعد أخرى؛ لجملة أسباب، ولكن الذي ينبغي له في حالة تكرر الذنب منه أن يراعي الأمور التي سأذكرها فيما يلي؛ لعل ذلك ينجيه من هذا التكرار، أو يقلل نسبة التكرار على أقل تقدير.

أما الأمر الأول: فعليه أن يبحث –بجد- عن أسباب الرجوع في الذنب، فلعل ذلك لجليس يدفعه إليه، أو قراءة أو سماع ونحو ذلك، ومن المهم قطع أسباب الوقوع في الذنب، ومن هنا حرمت الشريعة ما يكون ذريعة إلى السيئة، كما في قوله تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} [الأنعام:68].

وثاني الأمور: تقوية المناعة الإيمانية ضد المغريات من أحاديث النفس الشيطانية، ووسوسة أصدقاء السوء، وذلك بالتعبد الحق الذي يجمع بين الدوام على العبادة والدخول في روحانيتها. وقد نبه صلى الله عليه وسلم على المسعى الأول، في قوله لعبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما-: يا عبد الله، لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل" متفق عليه. صحيح البخاري (1152)، صحيح مسلم (1159)، وعلى الثاني في مثل قوله- صلى الله عليه وسلم-: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري (1903).

وثالثها: ألا يتسرب اليأس إلى نفس المسلم، وإن عاد في الذنب مرات فليعد إلى التوبة مرات أيضاً، وما أشبه الذنب بالمرض، فإن المريض لا يمل من معاودة الدواء كلما عاد إليه الداء. والله يحب من العبد تكرار التوبة كلما رجع إلى ذنبه؛ وإنما الذي على العبد أن يكون صادقاً في توبته، عازماً على عدم الرجوع إلى ذنبه بصدق وإخلاص؛ فإن حصل له ذلك -أعني العزم على عدم العود ثم عاد- فليعتبر ذلك مصيبة يسلك الطريق الشرعي في مواجهتها بالتوبة أولاً، ومقاومة النفس ثانياً، والتعلق بعظيم رحمة الله ومغفرته.

زادنا الله وإياك هدى وتوفيقاً.

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.