في آداب الجمعة

 الحمدُ لله الذي هدانا للإسلام، ويسَّر لنا طُرقَ الخيرات، وأجزل لنا الفضائلَ على الأعمال الصالحات، ونهانا عن ارْتِكاب ما يُبطلها أو ينقص مِن ثوابها، أحْمَده - سبحانه - وأشكره، والشكر له مِن نِعمه، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحابته المسارعين لأوامرِه، والمجتبين لنواهيه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فيا عباد الله:
اتَّقوا الله - تعالى - واشكروه على نِعمة الإسلام والتوفيق لما يحبُّه ويرْضاه، واحذروا مِن التفريط في هذه النِّعْمة العظيمة، وارتكاب ما يخلُّ بالأعمال.
واعلموا أنَّ يومكم هذا عظيمٌ، اختاره الله لكم وقد ضلَّتِ الأمم قبلكم عنه، فاشكروا المنعِم - جلَّ وعلا - على هدايته لكم لهذا اليوم العظيم بالعمل الصالح المتَّفِق مع هدْي نبيِّكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبادروا بالحضور إلى الجُمُعة، فقد أخبر - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ الثوابَ يتفاوت بحسبِ المبادرة بالحضور إليها، ولا شكَّ أنَّ العاقِل لا يرضى لنفْسه بالأقل، بل يُبادر بالحضور في أوَّل الوقت؛ لينالَ الثواب الكثير.
ثم إنَّه إذا حضَر على الهيئة الحَسَنة المطلوبة مبكرًا، نال الثوابَ وسلِم ممَّا قد يقع فيه الكثيرُ ممن لا يحضر إلا متأخرًا، فقدِ اعتاد الكثيرُ مِن الناس التأخُّرَ بالحضور في الوقت، ومحاولة التقدُّمِ في المكان، يأتي في آخِر الصفوف ويتخطَّى رِقابَ الناس إلى أوَّل الصفوف فيؤذيهم، وقد رأى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يخطُب رَجلًا يتخطَّى رقابَ الناس فقال له: ((اجلسْ فقد آذيتَ وآنيت))[1]، والمراد بالإِيذاء انتهاكُ حُرْمة المسلمين بتخطِّي رِقابهم، وإشغالهم وإلحاق الضررِ بهم.
والمراد بآنيت أي: تأخَّرْتَ بالمجيء إلى الجُمُعة.
كما أنَّ البعض مِن الناس قد يحجز له مكانًا في الصفِّ الأوِّل بعِصي أو غير ذلك، ممَّا يظن أنه يكفي في السبْق ويذهب إلى مصالِحه الدنيويَّة، فإذا قارب وقت الصلاة حضَر إلى هذا المكان، وقد يتخطَّى رقابَ الناس فيصدُق عليه الإيناء والإِيذاء.
وهذا شيءٌ لا يجوز ولا يَنبغي اعتيادُه، وعلى مَنِ اعتاد ذلك أن يتوبَ إلى الله ويُقلِع عن هذا العمل، فإنَّه باعتياده لهذا العمل يرتكب عدَّةَ محاذير، منها: أنه قد حجَز المكان عن غيره ممَّن يتقدَّم حقيقةً ويبقى في المسجد في عبادة الله، ومنها: أنه قد يتأخَّر زيادةَ وقت عن الحضور إذا عرَف أنَّ له مكانًا محجوزًا في أوَّل الصف، ومنها: أنه قد يضطرُّ إلى تخطِّي رِقاب الناس إلى ذلك المكان.
كما أنَّ البعض قد يتكلَّم أو يعبث والإمام يخطُب، وقد حذَّر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن ذلك فقال: ((مَن توضَّأ فأحْسَن الوضوء، ثم أتى الجُمُعةَ فاستمع وأنصت غُفِر له ما بينه وبين الجُمُعة وزيادة ثلاثة أيام، ومَن مسَّ الحَصَى فقد لغا))[2].
وفي حديثٍ آخَرَ: ((مَن تكلَّم يومَ الجُمُعة والإِمام يخطُب فهو كمثل الحمار يحمِل أسفارًا، والذي يقول له: أنصت، ليس له جُمُعة))[3].
كما أنَّ البعضَ يُبادر بالقيام حالَ انتهاء الإمام من التسليم مباشرةً؛ ليخرج فيتخطَّى رِقاب الناس ويؤذيهم، أو يشرع في السنة فيفوت عليه فضل عظيم، وهو الذِّكْر حالَ الانتهاء مِن الصلاة المكتوبة، والذي ورَد فيه الفضلُ العظيم، فكان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول في دُبر كلِّ صلاة مكتوبة: ((لا إله إلَّا الله وحْدَه لا شريكَ له، له المُلْك وله الحمد وهو على كلِّ شيء قدير))[4]، وغير ذلك ممَّا ورد عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم.
ففي الصحيحين مِن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((تُسبِّحُون وتَحْمَدون وتُكبِّرُون دُبُرَ كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وتمام المائة: لا إله إلَّا وحدَه لا شريكَ له، له الملك وله الحمدُ وهو على كلِّ شيء قدير))[5]، فيكون التسبيح ثلاثًا وثلاثين، والتحميد ثلاثًا وثلاثين، والتكبير ثلاثًا وثلاثين، وتمام المائة ما بعد ذلك.
فيا عباد الله:
حافِظوا على هذا الفضلِ العظيم، ولا تزهدوا فيه واحذروا مِن ارتكاب ما ينقصُه، واقتدوا بنبيِّكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - واعْلَموا أنَّكم تنالون بهذا العملِ السهْل الخفيف الخير الكثير، وذلك فضلُ الله يؤتيه مَن يشاء، والله ذو الفضل العظيم، فانتبِهوا لأنفسكم، واحذروا مِن التفريط والبُعد عن تعاليمِ دِينكم وارتكاب ما يخلُّ بأعمالكم، فإنَّ السعادةَ كلَّ السعادة في امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 9-10].
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعَني وإيَّاكم بما فيه مِن الآيات والذِّكْر الحكيم، وتاب عليَّ وعليكم إنَّه هو التواب الرحيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر اللهَ العظيم الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين مِن كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
واعْلَموا - رحمكم الله - أنَّ للجُمعة أحكامًا وآدابًا يَنبغي المحافظةُ عليها، كما أنَّ الثواب يتفاوت بقدْر التبكير في الحضور إليها، وممَّا يَنبغي ملاحظته، هو أنَّ الكثيرَ ممَّن يحضر مبكرًا ويأخذ مكانه في الصفِّ يترك بينه وبيْن مَن يليه فرجةً، ويترك الآخر فُرْجةً فيبقَى في الصفِّ فرج إذا حضر المتأخِّر ورآها أخَذ يتخطَّى الناس فيؤذيهم مع تأخُّره، فيَنبغي لمَن حضر أن يصفَّ مع مَن يليه ملاصقًا له؛ حتى لا يبقى فُرَج.
ويَنبغي لمَن حضَر متأخرًا وفاتَه فضلُ التقدم ألَّا يتخطَّى رِقاب الناس إلى الصفوف الأماميَّة؛ لأنَّ في ذلك إيذاء لمَن يتجاوزه فإذا أُقيمتِ الصلاة، وتراصَّ المأمومون وبقِي أمامَ مَن خلف الصف فُرجةٌ، فعليه أن يسدَّها بأن يتقدَّم ويقف فيها، سواء كانتْ في وسط الصفِّ أم في طرفه.
ومِن الملاحظ أيضًا أنَّ البعضَ مِن المصلين ينهض حالَ تسليمه فيتخطَّى رِقاب الناس؛ ليخرج أو يأخذ في صلاة النَّفْل بعد الجُمُعة دون أن يأتي بالذِّكْر الوارد بعدَ الصلاة، فيفوت عليه فضلٌ كثيرٌ فيَنبغي ملاحظة ذلك والحِرْص على الانتفاع بالذِّكْر وتطبيق تعاليم الدِّين وآدابه.
....................
 [1] أخرجه ابن ماجه (1115).
[2] أخرجه مسلم (257).
[3] أخرجه أحمد في مسنده (1/ 230)، والمنذري في الترغيب (1/ 505).
[4] أخرجه البخاري رقم (844)، - الفتح: (2/ 325)، ومسلم (593).
[5] أخرجه البخاري رقم (843)، - الفتح: (2/ 325)، ومسلم (595).
 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.