دور أئمة المساجد والخطباء عظيم، والاهتمام بشؤونهم واجب

 إنَّ إمامَ المَسجدِ والخطيبَ يقومان بمُهمَّة عظيمة جدًّا، وربما لا تبدو قيمتها في المدن الكبرى التي يكون فيها عادةً عددٌ كبير من العلماء والموجِّهين، أما في الأرياف والقرى المنقطعة، فإنَّ قيمة الإمام والخطيب من الناحية الدينية والدعوية قيمة كبيرة جدًّا؛ إنهما يُمثِّلان المُفتي والواعظ والمُدرِّس والمَرجِع الدينيَّ للناسِ في كل شأنٍ من شؤون الحياة.

وإنَّ وضعَهما المعاشيَّ الحالي مؤلِمٌ أشدَّ الإيلامِ؛ إذ إنَّ رواتبهما قليلة ضئيلة لا يُمكِن أن تفي بالنفقة الضرورية، والمؤسِف أنني وجدت هذا الأمر عامًّا في البلاد الإسلامية التي أتيح لي أن أزورها أو أن أعيش فيها، وإن تعجَبْ فعجبٌ أنَّ هذا الظلم يكاد يكون في كثير من ديار المسلمين كما أشَرنا إلى ذلك، ولا قوة إلا بالله، نعم لا بد من علاج هذا الواقع ورفعِ رواتبهما لإنصافِهما أولاً، ولأن الرواتب المُغريَة تأتي بالإمكانيات الكثيرة لملء هذَين الموقعَينِ.
إنَّ عمل إمام المسجد عملٌ يَستهلِك وقت الإنسان كلَّه، فهو مُضطرٌّ إلى أن يكون قريبًا من المسجد وألا يَبتعِدَ عنه؛ لأن أوقاتَ الصلوات مُتقارِبةٌ.
وإذا كان الإمام يُمثِّل المرجعَ الدينيَّ في كثير من الأحيان، فإنَّ إنصافَه ورفعَ راتبِه يَحفظ على الصالِحين ماء وجوههم، إنَّ إمام المسجد يقوم بأعمال لا يستطيع كثير من الدعاة أن يقوموا بها، فكيف يستطيع أن يؤثر في الناس إذا كانت ظروفه المعاشية تَضطرُّه إلى قَبول المَعونة أو الصدقة أحيانًا؟
والدولة في معظم البلاد الإسلامية تُسيطِر على الأوقاف، وهذه الأوقاف غنية جدًّا؛ لأن الرجال الصالِحين الذين أقاموا هذه المساجدَ وقَفوا لها الأوقاف الكثيرة، فهي - كما قُلنا - غنية وتستطيع أن تُنصِفهم، يجب أن تكون رواتبُ الأئمة مثل رواتبِ الموظَّفين من المُعلِّمين وأمثالهم، وعلينا أن نُطالِبهم بأعمال تَتناسب وهذه الرواتبَ.
وهناك أمر آخر سنخصُّه بحديث مُستقلٍّ، وهو أنه يجب أن يكون هناك مُفتِّشون كما في وزارة التربية وكما في قطاعات الجيش، يُقوِّمون عمل هؤلاء؛ فيثاب المحسن، ويُحاسَب المقصِّر.
ويَنبغي أن تَزيد رواتبُهم على تقدُّم أيام خدمتهم، شأنُهم شأن الموظَّفين الآخَرين، ولا يَجوز أن يكون الراتب الهزيلُ راتبًا مستمرًّا لا يَزيد.
وهنا نَذكُر بعض الأمثلة من النشاط في المسجد التي يأتي بها الإمام:
-ينبغي أن يقوم الإمام بإلقاء دروس توجيهية في الفقه والتوحيد والسيرة وتفسير القرآن والحديث النبوي.
-ومِن المُستَحسَنِ أن يقوم بدروس وعظية عامة للناس، ولا مانع من أن يَخصَّ النِّساء بدروس خاصة؛ فالنساء شقائق الرجال.
-ومِن أوجه النشاط استخدام الأشرطة التي لكبار الدعاة؛ من أمثال أشرطة العلامة ابن باز - رحمه الله - وغيره، وقراءتها وتوزيعها إن أمكن.
-ومَن أوجُهِ النشاط الإفادة من النشرات والمطويات والرسائل الدعوية الصغيرة، والمَقالات النافِعة.
هناك بعض المساجد بلا أئمة، إنَّ علينا أن نتفهَّم هذا الواقع، ولنرفع مِن مُستوى الرواتب؛ حتى تأتي الكفاءات المُمتازة والإمكانات المُنتِجة، إن اليومَ الذي يَشغل منصبَ الأئمَّة والخطباء في مساجد المسلمين أصحابُ الكفاءة والعلم والبيان والإخلاص يومٌ يَنتظرُه الراغبون في الإصلاح.
إن القضية المادية قضية مُهمَّة لا يجوز تجاهُلُها، ولا يَجوز أن تَبقى هذه الوظائف المهمَّة في الأمة مُعتمِدةً على التطوع والاحتساب، يجب أن نكون واقعيين.
وقد مرَّت بي حوادثُ في حياتي الدعوية دلَّت على أهمية العناية بهذه الفئة الكريمة مِن الأئمَّة وإنصافهم.
من ذلك أني قضيتُ سنتَين في محافظة حوران، فكنتُ في مُعظَم أيام الجُمَع أَخرُج مع مجموعة من الشباب الدعاة؛ لنتكلم في مسجد قرية من القرى التي نَقصِدها للدعوة إلى الله، ووفَّق اللهُ وزرتُ معظم قرى حوران، وكُنا نستأجِر سيارةً تأخذُنا من درعا وتعيدنا إليها، وقد نَذهبُ مُشاةً إلى القرى القريبة من درعا.
كنا نلقى أحيانًا لقاءً فاترًا، وكُنا نلقى أحيانًا أخرى ترحيبًا، وحدَث أنَّنا أتينا قريةً فرحَّب بِنا أهلُها ترحيبًا كبيرًا على غير العادة، وما أن استقرَّ بِنا المقام في الجامع، حتى ذَكروا لنا أن الخطيبَ قد ترَك العمل وأبى أن يَخطب وذهَب إلى مكان آخَر؛ لأنه لم يؤتَ أجرته السنوية وهو رجل ذو عيال، وكان حضورنا حلاًّ مناسبًا لنَخطب الجمعة، وفعلاً قُمنا بما طلبوا منا، ثم بعد الصلاة بيَّنتُ لهم أن الرجل يستحق الإكرام والوفاء له بإعطائه حقه، فوعَدوا أن يُوفِّروا ذلك.
قمنا مع مجموعة من العلماء برحلة في ربوع سوريا ولبنان قبل أكثر من خمسين عامًا، وكنتُ بمعيَّة أستاذنا الشيخ سعيد الأفغاني والدكتور أحمد حمدي الخياط وابنه الدكتور هيثم والأستاذ تيسير العيتي، ومَررْنا على منطقة المصايف في الشمال الغربي من سوريا، ومَررْنا على بقاع جميلة من أجمل ما خلَق اللهُ، فأتَينا على قرية في قمة الجبل، وسُكانُها من أهل السنَّة والجماعة وحولَها قرى من النصارى والفِرَق الأخرى، ودخَلنا مسجدَها المطلَّ على البحر والبِقاع الرائعةِ الجميلةِ، وسألْنا: مَن الإمامُ والمؤذِّن؟ فقيل لنا: ليس عندنا إمام ولا مؤذِّن، قلنا: ولماذا؟ قيل: يأتي إمام فيَجلِس مدةً فتنفذ فلوسُه فيُبارِح القرية؛ لأنه لا يستطيع البقاء الذي يتطلَّب نفقةً له ولأسرته فيَهرب.
قلنا: هل في القرية مدرسة حكومية ابتدائية، وهل فيها أساتذة ومُدير؟ قيل: نعم؛ لأنَّ الحكومة تَدفَعُ لهم رواتبَ.
فأَسِفْنا لحال المسلمين الذين يُحرَمون سماع الأذان وصلاة الجماعة؛ وذلك كله بسبب عدم الاهتمام بالناحية المادية للأئمَّة.
وتابَعنا رحلتنا فنزلنا طرابلس وصلينا الجمعة في القلمون بلد السيد محمد رشيد رضا - رحمه الله - ثم بيروت وعُدْنا إلى دمشق، وكان ذلك في عام 1374 (1954م).
وأدركتُ خطورة الأمر وكتبتُ في ذلك كلمة ونشرتُها، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليمًا كثيرًا.
 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.