الخطيب المؤثر – فنون ومهارات

خطيبنا المؤثر هو: عالم بما يقول، مخلص فيما يقول، عامل بما يعلم وبما يقول، رفيق في رسالته ودعوته، معدّ جيد ومتميز لغوياً وأدبياً، واثق في ربه، ثم في نفسه، صادق في كلامه، كلامه واقعي.

إن الدعوة إلى الله لن تجد أثرها أو تحقق مقاصدها من إخراج الناس من ظلمة الجهل إلى نور العلم والمعرفة، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ظلم الدنيا وجور أهلها إلى عدل شريعة الإسلام؛ إلا إذا وُجِدَ الداعية الناجح والخطيب المؤثر، الذي يحمل همّ هذه الرسالة ويتفانى في سبيلها؛ رغبةً فيما عند الله من مثوبة وأجر.

والدعوة بحاجة ماسَّة إلى الخطباء المؤثرين، ولن يتحقق نجاح الخطيب إلا بأسباب يأخذ بها وسمات يتسم بها في ذاته وشخصه، وفي خطابته ووعظه، والتي تعد من أهم وسائل التأثير في الدعوة كما القدوة والسلوك تمامًا بتمام.

ثم إنّ الإلقاء والتأثير، الذي نتمناه ونريده، ليس تمثيلاً ولا ادعاءً يقوم به إنسان ما، بقدر ما هو إحساس ومهارة ومسئولية.

تعد الخطبة الإسلامية هي الوسيلة الأسرع، والأدق، والأقدر، على إيصال ما يريده الشرع الحنيف من الناس، لكن لن تحقق الخطبة ما هو مأمول منها؛ حتى تتسم بسمات تؤهلها؛ لتكون في موقع الصدارة بين أنواع مختلفة من أنواع التواصل والقول.

وهذه بعض فنون ومهارات التأثير جمعتها لنفسي أولاً، ولمن يحتاج إليها من آبائي وإخواني الخطباء والوعاظ -ممن يحملون همَّ هذه الدعوة ويأملون في أن تسود وأن يتمسَّك بها الناس، ذاكرًا -ما أُريدُ- على سبيل الإيجاز والاقتضاب.

وهي عبارة عن فنون جُرِّبَت، وآتت ثمرتها الواقعية. راجيًا من الله لها القبول عنده، مؤملاً النفع لخلقه، وحسبي أني أريد الإصلاح ما استطعت، والدال على الخير كفاعله. وفقنا الله جميعا لصلاح النية والعمل، وأن ينفع بنا الإسلام والمسلمين.

الإلقاء المؤثر:

الإلقاء المؤثر عبارة عن قيام الملقي بنقل بعض معلوماته، وأحاديثه، ومشاعره، وأحاسيسه عن طريق الكلام إلى الملقَى إليه، مستخدماً في ذلك ما يمكن استخدامه من أجزاء جسده، ونبرات صوته، وحركاته وإشاراته

والخطابة هي: “مجموعة الأفكار والمفاهيم التي تُنقَل إلى الجماهير؛ بقصد تغيير أوضاعهم في جميع الجوانب الحياتية، ووصولاً إلى السعادة الفردية والجماعية، في الدنيا والآخرة”.

رهبة المنابر وقلق الخطباء:

يحدث لبعض الخطباء رهبة قبل الإلقاء أو عند الإلقاء، ولذا أحببت أن أنصح بعدة وسائل قبل أن أصوغ فنون ومهارات التأثير في الخطابة، ومنها الآتي:

كيف تتغلب على القلق والرهبة من الإلقاء والتحدث؟

1-استحضر الإخلاص لله –تعالى-، يقول –سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7].

2-أكثرْ من إلقاء الكلمات والمواضيع.

3-حضِّرِ الموضوع بإتقان.

4-جرب الإلقاء لوحدك مرة أو أكثر قبل مقابلة الجمهور.

5-أكثر من ذكر الله وأنت في طريقك إلى الإلقاء، يقول –تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].

6-اسأل الله اطمئنان القلب، والصبر، والتثبيت، يقول –تعالى-: (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا…) [البقرة: 250]

7-ابدأ الإلقاء بذكر الله وحمده؛ عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في خطبته، يحمد الله ويثنى عليه بما هو أهله… الحديث”، ولعل أحسن ذلك خطبة الحاجة التي كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – يعلمها لأصحابه، وهي: “إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره…الخ”.

8-حافظ على تركيزك في موضوعك.

9-كن إيجابيا في تفكيرك تجاه نفسك وتجاه المستمعين، فأنت قادر على الإلقاء -بإذن الله-، وعملك من أحسن الأعمال وأشرفها حيث يقول –تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33]، وقد وعد الله -سبحانه وتعالى- بالتيسير لك إن أنت ذكَّرت الناس ودعوتهم فقال -جل من قائل-: (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى * فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى) [الأعلى: 8-9]”.

كما أن المستمعين متفاعلون معك، فقد كلفك الله بالتذكير ووعد بتأثر من يخشى، فقال -سبحانه وتعالى-: (فذكر إن نفعت الذكرى* سيذكر من يخشى) [الأعلى: 9-10]. ولك أن تعلم وتوقن بأن المستمعين لا يعلمون أنك قلق، ولو علموا بذلك لعذروك؛ لأنهم يقدرون موقفك، ولو كان أحدهم مكانك لشعر بما تشعر.

وحتى لا يُتَصَوَّر أنها مسألة صعبة، أو أنها مسألة فطرية وهبة فقط، فإننا نقول إنها -أيضًا- مهارة مكتسبة، وفنٌّ له قواعد تدرس، ويتعلمها المتعلمون والواعون – على ما سيأتي بيانه -.

يقول إيمرسون: “إن جميع المتكلمين العظماء كانوا متكلمين سيئين في البداية”.

اعلم -أخي الداعية -أن القدرات يصنعها الإنسان، والمهارة يكتسبها ويتعلمها الإنسان.

روى الخطيب عن أبي هريرة مرفوعاً: “إنما العلم بالتعلُّم، والحِلم بالتحلُّم، ومن يَتحَرَّ الخير يُعطَه، ومن يَتوَقّ الشر يُوقه”.

ونسمع كلمات كثيرة تتردد على ألسنة بعض الخطباء -خاصة الجدد- بأن: “الخطابة صعبة، والإلقاء مستحيل، وأنا سيئ في حديثي، فهل يمكنني أن أجيد الإلقاء؟!”.

 

نقول وبكل بساطة، نعم أخي الكريم:

1-أنت تستطيع تعلم الإلقاء.

2-لا يعني خوفك أو قلة الثقة أنك لن تستطيع إجادة الخطبة.

3-لا تفكر في إخفاقك في موقف سابق؛ قد يجعلك تصد عن ذلك.

4-ركز على إيجابياتك واعلم أنك قد استفدت من موقفك السابق، وتعلمت منه التجارب والخبرات، حتى تجعلك تتقن هذا الفن.

5-الإلقاء والتأثير أمر يمكن للإنسان أن يتعلمه إذا اتبع قواعده وسار على نهجه.

وعلى هذا: فالإلقاء الناجح والمؤثر مهارة يمكن اكتسابها كباقي المهارات، مثل: تَعَلُّم الخط، وقيادة السيارة، وغير ذلك.

مكانة الخطابة:

ومعلوم ما للخطابة من أثر بالغ وعظيم في المجتمع؛ يقول د/ عادل الشويخ، عن خطورة الكلمة ومدى تأثيرها الإيجابي في المجتمع: “الكلمة الواحدة قد تنشئ دعوة، وقد تبني مؤسسة، وقد ينقذ الله –تعالى- بها قلوبًا، أو يُعَمِّر بها نفوسًا، بل وقد يُحْيِي الله بها أقوامًا من السُبَات.” ثم يُعَقِّب قائلًا: “إن قول الكلمة بهذه النِّيَّات ظاهرة من ظواهر الإيجابية في حياة الدَّاعية”. (1)

مكانة الخطيب:

للخطيب أن يستمع إلى نداء الدكتور: عبد الجليل شلبي -رحمه الله-، وهو يقول: أنت -يا خطيب المسجد-أشد فاعلية في نفوس الجماهير من رجل البوليس الحاكم، ورجل المباحث المستطلع، والوزير الآمِر… إنك تقتلع جذور الشر من نفس المجرم، وتبعث في نفسه خشية الله، وحب الحق والعدل، ومعاونة الناس، والتخلي عن شيء من حقوقه مرضاة للآخرين، فأنت توفر على رجل البوليس، والقائم على أمن الدولة جهداً كبيراً وأعمالاً شاقة، وإن كانوا لا يشعرون. الناس لا يخافونك، ولكنهم يجلونك ويحبونك. إنَّ مَيْدان عملك هو إصلاح الضمائر وإيقاظ العواطف النبيلة في نفوس الناس، فعملك هو نفخ الروح في الأجساد، وبث الحياة في الأفراد. (2)

فالخطيب هو الروح المحركة، وهو العين المبصرة، وهو القيادة الحكيمة للجماهير. فما أعظم مكانته، وما أقدس مهنته ورسالته!!

كيف تزيد مهارتك الخطابية؟

1-الاستعانة بالله، واللجوء إليه، فبيده القلوب، ومقاليد الأمور.

2-التدرب على الإلقاء مع نفسك، أمام المرآة، مع مراقبة حركاتك وإشاراتك.

3-تدرَّب وتمرَّن أمام زوجتك وأبنائك، واستمع إلى آرائهم، ونقدهم.

4-يمكنك أن تتدرَّب على المنبر-فعلاً-في غير وقت صلاة بالمسجد؛ لتزيل الرهبة من صعود المنبر.

 .....................

(1) مجموعة رسائل العين (الإيجابية) د/ عادل الشويخ، أ/ محمد أحمد الراشد، ص321 – 322 – ط2/ 2009م-دار البشير للثقافة والعلوم، طنطا.

(2) الخطابة وإعداد الخطيب، د/ عبد الجليل شلبي، ص395، (بتصرف).

 

 

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.