سمت الخطيب وأثره في الإقناع والتأثير

إن الخطيب المسلم عنوان لدعوته، وسفير لدينه، أينما حلّ وأينما ارتحل، والخطيب يكون محط أنظار الجمهور، وفي دائرة الضوء، والعيون دائماً معلقة به، وأي هفوة أو إهمال  يقع منه في سلوك أو في مظهر محسوب عليه، وينعكس بالسلب على نظرة الجمهور له، وربما يقلل من احترامهم وتقديرهم له، والعكس صحيح، فالخطيب المحافظ على السمت الصالح، والخلق الصالح، الأنيق في ملبسه، الجذاب في مظهره، النظيف في سمته ومنظره؛ تكبره العين، وتهابه النفس، وتبعث على الارتياح رؤيته.

بل إن السمت الصالح وحسن المظهر له أثر طيب على الخطيب نفسه، إذ يمنحه شعورًا بالثقة والارتياح، وفي دراسة أعدها عدد من المتخصصين أُرسل سؤال إلى مجموعة كبرى من الناس من قِبَل عالم نفسي ورئيس جامعة، يتساءل عن التأثير الذي تتركه الملابس في أنفسهم، فأجمع كل الأفراد على أنهم عندما يكونون بمظهر لائق وأنيق، ويتأكدون من ذلك، يشعرون بتأثير ذلك، ومن الصعب شرح ذلك الشعور؛ لأنه غير محدد، رغم كونه حقيقيًا، فقد منحهم الثقة بالنفس، ورفع تقديرهم الذاتي.

فهل لحسن السمت تأثير على السامعين ومدى اقتناعهم بما يؤديه الخطيب؟

وهل حسن السمت مجرد الحفاظ على هيئة حسنة ولباس حسن أم أن الأمر أكبر من ذلك؟ وكيف يكتسب الخطيب حسن السمت بمعناه الشامل؟ وهل ثمة تعارض بين البذاذة التي هي من الإيمان وحال بعض الصحابة -مثل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- والذي كان يخطب وعليه ثياب مرقعة، وبين الحفاظ على حسن المظهر والتعطر والأناقة؟!

أسئلة سنحاول الإجابة عليها فلإيضاح وتبين الفكرة من حسن سمت الخطباء.

أولاً: حسن السمت لغة واصطلاحاً:

السَّمْت: الطريق، وربما جُعل القصد سَمْتاً. يقال: فلان على سَمْتٍ صالح، أي على طريقة صالحة.

وسلكَ فلان لسَمْتَ فلان، إذا اقتدى به، وسَمَتُّ سَمْتَ القوم فأنا سامِت، إذا قصدت قصدَهم.

والسمت: أخذ النهج ولزوم المحجة.

وسمت فلان الطريق يسمت.

وأنشد الأصمعي لطرفة بن العبد:

خواضع بالرُّكْبان خُوصاً عيونُها *** وهنَّ إلى البيت العتيق سوامِتُ

ثم قال: ما أحسن سمته؛ أي طريقته التي ينتهجها في تحري الخير والتزييّ بزيّ الصالحين.

وقال الجوهري في الصّحاح: التّسميت: ذكر اسم اللّه -تعالى- على الشّيء، وتسميت العاطس أن تقول له: يرحمك اللّه بالسّين والشّين جميعا، قال ثعلب: والاختيار بالسّين؛ لأنّه مأخوذ من السّمت وهو القصد والمحجّة، والسّمت أيضا هيئة أهل الخير يقال: ما أحسن سمته أي هديه، والسّمت: الطّريق، والسّمت: حسن النّحو في مذهب الدّين، يقول ابن منظور: والفعل منه سمت يسمت (بضمّ الميم وكسرها)، يقال إنّه لحسن السّمت. أي حسن القصد والمذهب في دينه ودنياه، قال الفرّاء: يقال: سمت لهم يسمت سمتا، إذا هيّأ لهم وجه العمل ووجه الكلام والرّأى، يقال: وهو يسمت سمته أي يقصد قصده.

أما اصطلاحاً: فالسمت يكون في معنيين: أحدهما حسن الهيئة والمنظر في مذهب الدين، وليس من الجمال والزينة، ولكن يكون له هيئة أهل الخير ومنظرهم، وأما الوجه الآخر فإن السمت الطريق، يقال: الزم هذا السمت كلاهما له معنى جيد، يكون أن يلزم طريقة أهل الإسلام، ويكون أن يكون له هيئة أهل الإسلام.

وعرفه الحافظ ابْنُ حَجَر تعريفاً جامعاً فقال: “أَنَّهُ تَحَرِّي طُرُقِ الْخَيْرِ وَالتَّزَيِّ بِزِيِّ الصَّالِحِينَ مَعَ التَّنَزُّهِ عَنْ الْمَعَائِبِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ”.

 

وقال المناوي: والسمت الحسن أي حسن الهيئة والمنظر وأصل السمت الطريق ثم استعير للزي الحسن والهيئة المثلى في الملبس وغيره.

ثانياً: حسن السمت في القرآن والسنّة:

أثنى الله -عز وجل- على السمت الحسن وأهله في عدة مواضع منها:

قال تعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)[الأعراف: 26] روى الطبري عن ابن عباس: “ولباس التقوى”، قال: السمت الحسن في الوجه.

قال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[الفتح: 29] قال الطبري: قال ابن عباس ومجاهد: السيماء في الدنيا وهو السمت الحسن.

قال تعالى: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[يوسف: 36].

قال السدي: “وكان يوسف -عليه السلام- قد اشتهر في السجن بالجود والأمانة وصدق الحديث، وحسن السّمت وكثرة العبادة”.

وعن عبد الله بن سرجس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة”.

 

عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: “إن الهدى الصالح والسمت الصالح جزء من سبعين جزءا من النبوة”.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خصلتان لا تجتمعان في منافق: حسن سمت، ولا فقه في الدين".

عن عبد الرحمن بن يزيد -رحمه الله- قال: “سألتُ حذيفةَ عن رجل قريب السَّمْتِ والهَدي والدَّلِّ من رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- حتى نأخذَ عنه؟ فقال: ما نعلم أحدا أقربَ سَمْتا وهَدْيا ودَلاّ بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- من ابنِ أمِّ عبد، حتى يتوارى بجدار بيته، ولقد عَلِمَ المحفُوظُون من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-: أن ابن أم عبد أقربُهم إلى الله وسيلة”(أخرجه البخاري).

عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلاًّ، وَقَالَ الْحَسَنُ حَدِيثًا وَكَلاَمًا وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَسَنُ السَّمْتَ وَالْهَدْىَ وَالدَّلَّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ فَاطِمَةَ -كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهَا- كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ إِلَيْهِ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا.

قال عبد اللّه بن مسعود -رضي اللّه عنه-: “إنّكم في زمان كثير فقهاؤه، قليل خطباؤه، قليل سؤّاله، كثير معطوه، العمل فيه قائد للهوى، وسيأتي من بعدكم زمان قليل فقهاؤه، كثير خطباؤه، كثير سؤّاله، قليل عطاؤه، الهوى فيه قائد للعمل، اعلموا أنّ حسن الهدي في آخر الزّمان خير من بعض العمل”.

كلام السلف عن معنى حسن السمت:

للسلف آثار كثيرة في تعريف حسن السمت بما يخرج به عن نطاقه الضيق الذي يظنه كثير من الناس الذين يقصرونه في حسن المظهر، وشتان الفارق بين حسن السمت وحسن المظهر، قال الحسن البصري -رحمه الله-: “كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث أن يظهر هذا العلم وأن يرى ذلك في تخشعه وفي سمعه وفي بصره وفي يده”.

قال الخطيب البغدادي -رحمه الله- في الجامع لأخلاق الراوي: “يجب على طالب الحديث أن يتجنب اللعب والعبث والتبذل في المجالس بالسخف، والضحك، والقهقهة، وكثرة التنادر، وإدمان المزاح والإكثار منه، فإنما يستجاز من المزاح يسيره ونادره وطريفه الذي لا يخرج عن حد الأدب وطريقة العلم، فأما متصله وفاحشه وسخيفه وما أوغر منه الصدور وجلب الشر؛ فإنه مذموم وكثرة المزاح والضحك يضع من القدر، ويزيل المروءة”.

وفي الجامع لأخلاق الراوي عن ابن وهب، قال: سمعت مالكا، يقول: “إن حقا على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية، وأن يكون متبعا لأثر من مضى قبله”.

وروى أيضاً بإسناده عن سعيد بن عامر: “كنا عند هشام الدستوائي فضحك رجل منا، فقال له هشام الدستوائي: تضحك وأنت تطلب الحديث؟”.

وعن إسماعيل بن يحيى قال: “رآني سفيان وأنا أمازح رجلا من بني شيبة عند البيت، فتبسمت فالتفت إلي فقال: “تبتسم في هذا الموضع إن كان الرجل ليسمع الحديث الواحد فنرى عليه ثلاثة أيام سمته وهديه”.

خطوات السمت المؤثر:

السمت كما عرفناه في بداية الكلام لا ينحصر في حسن المظهر والهندام أنما هو سلوك طريق الصالحين والتأسي بهدي المرسلين والسير على درب المتقين، وإنما يكون السمت مؤثراً في جماهير المستمعين، وعاملاً قوياً من عوامل الإقناع عندما يتبع الخطيب والداعية الخطوات التالية:

1/ إصلاح الباطن مثل الظاهر:

وأصل الاحتفاء بحسن السمت الظاهر هو دلالته, في الغالب على صلاح الباطن.

ومن هنا لا سبيل إلى التماس السمت الحسن بدون إصلاح القلب.

وقال ابن عبد البر قال سفيان بن حسين: أتدري ما السمت الصالح؟ ليس هو بحلق الشارب ولا تشمير الثوب، وإنما هو لزوم طريق القوم، إذا فعل ذلك، قيل قد أصاب السمت، وتدري ما الاقتصاد؟ هو المشي الذي ليس فيه غلو ولا تقصير.

فإصلاح الباطن أصل التحلي بحسن السمت في الظاهر، إذ ما يُسِرُّه العبد يظهر عليه علانية شاء أم أبى كما قيل: ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها علانية إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.

ومن هنا لا سبيل إلى التماس السمت الحسن بدون إصلاح القلب، ولعل هذا هو ما عناه بعضهم بقوله: أظهر السمت في الليل فإنه أشرف من إظهاره بالنهار؛ لأن  إظهار السمت بالنهار للمخلوقين وإظهار السمت بالليل لرب العالمين.

إن من أجمل ما يتزين به العبد ويكتسب به السمت الحسن تحقيقه لتقوى الله -عز وجل-، وهي في أساسها عمل قلبي ينعكس على الجوارح، وقد نبه الله عباده على هذا المعنى الجليل حين قال: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون)[الأعراف: 26].

2/حفظ الجوارح من النواقض:

وهذا من أحسن ما يتزين به المؤمنون فتراهم يقيمون فرائض الله ويتبعونها بالنوافل، ويراقبون جوارحهم فيحفظونها من المعاصي ومخالفة أمر الله -تعالى-، بل يمنعونها الفضول، وهي الأمور الزائدة عن الحاجة.

ومن أهم الجوارح التي ينبغي الاعتناء بها وحفظها اللسان ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت”.

وقد كان الصالحون يرون أن كثرة الكلام تذهب الوقار.

وكان يحي بن أبي كثير -رحمه الله- يقول: خصلتان إذا رأيتهما في الرجل فاعلم أن ما وراءهما خيرٌ منهما: إذا كان حابساً لسانه محافظاً على صلاته.

وذكر بعضهم أبياتا نسبها لابن المبارك -رحمه الله- يقول فيها:

الصمت زين للفتى *** من منطقٍ في غير حينه

والصدق أجمل للفتى *** في العقد عند يمينه

وعلى الفتى بوقاره *** سمتٌ يلوح على جبينه

كما يحفظ بصره من إطلاقه إلى ما حرم الله -تعالى- وفي الجملة يتنزه عن ارتكاب المحظورات بجوارحه ويعلم أنها ستشهد عليه وستنطق بما فعلت بين يدي الله -تعالى- الذي لا تخفى عليه خافية.

كما لا يكثر من الالتفات والعبث بثوبه أو لحيته عند مجالسة القوم.

3/اتباع السنة في الهدي الظاهر:

فخير الهدي هدي النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ومن الاقتداء به اتباع سنته في الهدي الظاهر بإعفاء اللحية وحف الشارب ولبس الثياب البيض، والعناية بنظافتها من غير تكلف ولا كبر ولا خيلاء.

وهذه طائفة من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- التي تحض على إصلاح الهدي الظاهر: “أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقه، ولا جناح عليه فيما بين ذلك وبين الكعبين، وما كان أسفل ففي النار”.

وعن عوف بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: “أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في ثياب دون، فقال: يا عوف أليس لك مال؟! فقال رضي الله عنه: عندي من الإبل والغنم والخيل والرقيق، فقال صلى الله عليه وسلم: “إذا أتاك الله مالا فليُر أثر نعمة الله عليك وكرامته”.

وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-: “أنه أتى رجل وعليه ثياب وسخة، فقال صلى الله عليه وسلم: “أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه؟”.

ومن حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: أنه رأى رجلا ثائر الرأس، فقال صلى الله عليه وسلم: “أما كان هذا يجد ماء يُسكِّن به شعره”.

بل حثَّ صلى الله عليه وسلم أن ُيخصّص المسلم ثياباً ليوم الجمعة لا يلبسها إلا ليوم الجمعة من غير الثياب التي يلبسها لمهنته ولشغله، قال صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود وابن ماجة من حديث عبد الله بن سلام: “ما على أحدكم أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته”.

4/صحبة القدوات:

من العلماء والصالحين فإن مصاحبتهم والخلطة بهم تؤدي إلى الاستفادة منهم في هديهم وسمتهم وأخلاقهم، وقد كان الصحابة يجالسون النبي -صلى الله عليه وسلم- ويستفيدون من لحظه ولفظه ويتشبهون به في هديه وسمته، كما كان من بعدهم يسأل عن أشبه الناس هديا وسمتا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ليأخذوا عنه، كما سبق وذكرنا في أثر عبد الرحمن بن زيد في وصف ابن مسعود -رضي الله عنه- قال الحسن بن اسماعيل: سمعت أبي يقول: كان يجتمع في مجلس أحمد زهاء على خمسة آلاف أو يزيدون أقل من خمسمائة يكتبون والباقون يتعلمون منه حسن الأدب وحسن السمت.

ومن التماس القدوات إدمان النظر في كتب السلف وسيرهم واجتهادهم ومقارنة ما كانوا عليه من الهدي بحالنا.

وهذه نافعة سيما عند انعدام القدوات وقلة الشيوخ.

5/الحذر من التصنع والتماوت:

آفة حسن السمت المؤثر هي التصنع والتماوت.

 

أما التصنع فهو كما عرفه أهل اللغة: حُسن السمت والرأي سره يخالف جهره، وتكلف حسن السمت وإظهاره والتزين به والباطن مدخول.

قال ابن العربي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ)[الماعون: 6] “أي يرى الناس أنه يصلي طاعة وهو يصلي تقية، كالفاسق، يرى أنه يصلي عبادة وهو يصلي ليقال: إنه يصلي.

وحقيقة الرياء: طلب ما في الدنيا بالعبادة، وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس، وذلك بأربع طرق:

أولها: تحسين السمت، وهو من أجزاء النبوة، ويريد بذلك الجاه والثناء.

وثانيها: الرياء بالثياب القصار والخشنة، ليأخذ بذلك هيئة الزهد في الدنيا.

وثالثها: الرياء بالقول، بإظهار التسخط على أهل الدنيا، وإظهار الوعظ والتأسف على ما يفوت من الخير والطاعة.

ورابعها: الرياء بإظهار الصلاة والصدقة، أو بتحسين الصلاة لأجل رؤية الناس.

أما التماوت؛ فمن الناس من ظن أن حسن السمت في التماوت, وهذا خلاف هدي الإسلام، قال تعالى: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)[لقمان: 18 – 19].

قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله-: “أي: امش متواضعا مستكينا، لا مَشْيَ البطر والتكبر، ولا مشي التماوت”.

 

وقال العلامة أبو شامة -رحمه الله- في “الباعث على إنكار البدع والحوادث”: “فصل فيما ابتدع واستميلت به قلوب العوام”: “ومما ابتدع وروى به واستميلت قلوب الجهال والعوام بسببه التماوت في المشي والكلام، حتى صار ذلك شعارا لمن يريد أن يظن فيه التنسك والتورع، فليعلم أن الدين خلاف ذلك، وهو ما كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- ثم السلف الصالح”.

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.