تسوية الصفوف

 


أولا: الأمر بتسوية الصفوف وحكم ذلك:

يقول الشيخ عبدالله بن صالح الفوزان:

من آداب حضور المساجد تسوية الصفوف إذا أقيمت الصلاة، ولقد أولى الإسلام صفوف  المصلين عناية كبيرة، حيث أمر بتسوية الصفوف، وبين كيفية التسوية، وأظهر فضيلة تسويتها، والاهتمام بها.

فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة"، وفي رواية: "من إقامة الصلاة"(1).

وعن أبي مسعود البدري – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: "استووا، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم . . "(2) .

وعن النعمان بن بشير – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم"(3).

فهذه نصوص واضحة في وجوب تسوية الصفوف، قال البخاري – رحمه الله تعالى – في صحيحه: (باب إثم من لا يتم الصفوف)، وأورد فيه بسنده عن بشير بن يسار الأنصاري عن أنس بن مالك: أنه قدم المدينة، فقيل له: ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: (ما أنكرت شيئاً إلا أنكم لا تقيمون الصفوف)(4) .

قال في فتح الباري: (يحتمل أن يكون البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله: "سووا صفوفكم"، ومن عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، ومن ورود الوعيد على تركه، فترجح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب، وإن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن، ومع الجهتين، ويؤيد ذلك أن أنساً مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة)(5) . وفي تسوية الصفوف ثواب عظيم دلت عليه السنة؛ فمن ذلك ما ورد عن ابن عمر

– رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعة الله"(6) . وعن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سد فرجة رفعه الله بها درجة، وبنى له بيتاً في الجنة"(7). وعن عائشة – أيضاً رضي الله عنها – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف"(8).

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خياركم ألينكم مناكب في الصلاة، وما من خطوة أجراً من خطوة مشاهاً رجل إلى فرجة في الصف فسدها"(9). فهذه الأحاديث تبين فضيلة تسوية الصفوف وسدّ الفرج، ومدح من يلين بين صاحبه إذا أمره بالاستواء، أو أراد دخولاً في الصف؛ لسد فرجة أو لضيق مكان فلا يمنعه، بل يمكنه

من ذلك ولا يدفعه بمنكبه، فهذا من خيار الناس(10).

 

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" وقوله : ( أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ ) أي : بين وجهات نظركم حتى تختلف القلوب ، وهذا بلا شكٍّ وعيدٌ على مَن تَرَكَ التسويةَ ، ولذا ذهب بعضُ أهل العِلم إلى وجوب تسوية الصَّفِّ . واستدلُّوا لذلك : بأمْرِ النبي صلى الله عليه وسلم به ، وتوعُّدِه على مخالفته ، وشيء يأتي الأمرُ به ، ويُتوعَّد على مخالفته لا يمكن أن يُقال : إنه سُنَّة فقط .

ولهذا كان القولُ الرَّاجحُ في هذه المسألة : وجوب تسوية الصَّفِّ ، وأنَّ الجماعة إذا لم يسوُّوا الصَّفَّ فهم آثمون ، وهذا هو ظاهر كلام شيخ الإِسلام ابن تيمية " انتهى .

"الشرح الممتع" (3/6) .

 

ثانيا: كيفية تسوية الصفوف :

قال الشيخ عبدالله بن صالح الفوزان:

وأما كيفية تسوية الصف فقد دلت عليها نصوص كثيرة تقدم بعضها، ومنها – أيضاً – ما ورد عن أنس – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري"، وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه، وفي رواية: قال أنس: (لقد رأيت أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه، ولو ذهبت تفعل ذلك اليوم لترى أحدهم كأنه بغل شموس(11) .والشموس: بضم المعجمة والميم: الفرس يستعصي على راكبه(12) .وقال النعمان بن بشير – رضي الله عنه -: (فرأيت الرجل يلصق منكبه بمنكب

صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه)(13) .

وعن أنس – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن

في الصف المؤخر"(14) . ومن مجموع النصوص يتضح أن تسوية الصف تتحقق بما يلي:

إتمام الصف الأول فالأول، وسدّ الفرج بالتراص.

استقامة الصف وتعديله بالمحاذاة بين الأعناق والمناكب والركب والأكعب، بحيث لا يتقدم عنق على عنق، ولا منكب على منكب ولا صدر على صدر.

ألا يوسع المصلي بين قدميه؛ لأن ذلك يمنع التصاق منكب صاحبه بمنكبه.

التقارب فيما بين الصفوف، وفيما بينها وبين الإمام؛ فإن هذا من تسوية الصفوف( 15) .

 

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : نقلا عن (موقع الإسلام سؤال وجواب):

" وتسوية الصَّفِّ تكون بالتساوي ، بحيث لا يتقدَّم أحدٌ على أحد ، وهل المعتبر مُقدَّم الرِّجْلِ ؟

الجواب : المعتبر المناكب في أعلى البَدَن ، والأكعُب في أسفل البَدَن . . .

وإنما اعتُبرت الأكعب ؛ لأنها في العمود الذي يَعتمد عليه البدنُ ، فإن الكعب في أسفل السَّاق ، والسَّاقُ هو عمودُ البَدَن ، فكان هذا هو المُعتبر . وأما أطراف الأرجُل فليست بمعتبرة ؛ وذلك لأن أطراف الأرجُلِ تختلف ، فبعض الناس تكون رِجْلُه طويلة ، وبعضهم قصيرة ، فلهذا كان المعتبر الكعب .

وهناك تسوية أخرى بمعنى الكمال ؛ يعني : الاستواء بمعنى الكمال ، كما قال الله تعالى : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى ) القصص/14 ، أي : كَمُلَ ، فإذا قلنا : استواءُ الصَّفِّ بمعنى كماله ؛ لم يكن ذلك مقتصراً على تسوية المحاذاة ، بل يشمَل عِدَّة أشياء :

1 - تسويةَ المحاذاة ، وهذه على القول الرَّاجح واجبة ، وقد سبقت .

2 - التَّراصَّ في الصَّفِّ ، فإنَّ هذا مِن كماله ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك ، ونَدَبَ أمَّتَهُ أن يصفُّوا كما تصفُّ الملائكةُ عند ربِّها ، يتراصُّون ويكملون الأول فالأول ، ولكن المراد بالتَّراصِّ أن لا يَدَعُوا فُرَجاً للشياطين ، وليس المراد بالتَّراص التَّزاحم ؛ لأن هناك فَرْقاً بين التَّراصِّ والتَّزاحم ؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( أقيموا الصفوف ، وحاذوا بين المناكب ... ولا تذروا فُرُجَات للشيطان ) أي : لا يكون بينكم فُرَج تدخل منها الشياطين ؛ لأن الشياطِين يدخلون بين الصُّفوفِ كأولاد الضأن الصِّغارِ ؛ من أجل أن يُشوِّشوا على المصلين صلاتَهم .

3 - إكمالَ الأول فالأول ، فإنَّ هذا مِن استواءِ الصُّفوف ، فلا يُشرع في الصَّفِّ الثاني حتى يَكمُلَ الصَّفُّ الأول ، ولا يُشرع في الثالث حتى يَكمُلَ الثاني وهكذا ، وقد نَدَبَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى تكميل الصفِّ الأول فقال : ( لو يعلم الناسُ ما في النِّداءِ والصَّفِّ الأولِ ؛ ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِمُوا عليه لاسْتَهَمُوا ) . يعني : يقترعون عليه ؛ فإذا جاء اثنان للصفِّ الأول ، فقال أحدهم : أنا أحقُّ به منك ، وقال الآخر : أنا أحقُّ ، قال : إذاً نقترعُ ، أيُّنا يكون في هذا المكان الخالي .

ومِنْ لَعِبِ الشيطان بكثير من الناس اليوم : أنهم يرون الصفَّ الأول ليس فيه إلا نصفُه ، ومع ذلك يشرعون في الصفِّ الثاني ، ثم إذا أُقيمت الصلاة ، وقيل لهم : أتمُّوا الصفَّ الأول ، جعلوا يتلفَّتون مندهشين !!

4 - ومِن تسوية الصُّفوف : التقاربُ فيما بينها ، وفيما بينها وبين الإِمام ؛ لأنهم جماعةٌ ، والجماعةُ مأخوذةٌ مِن الاجتماع : ولا اجتماع كامل مع التباعد ، فكلما قَرُبَت الصُّفوفُ بعضها إلى بعض ، وقَرُبَت إلى الإِمام كان أفضل وأجمل ، ونحن نرى في بعض المساجد أنَّ بين الإِمام وبين الصَّفِّ الأول ما يتَّسع لصفٍّ أو صفَّين ، أي : أنَّ الإِمام يتقدَّم كثيراً ، وهذا فيما أظنُّ صادر عن الجهل ، فالسُّنَّةُ للإمام أن يكون قريباً مِن المأمومين ، وللمأمومين أن يكونوا قريبين مِن الإِمام ، وأن يكون كلُّ صفٍّ قريباً مِن الصَّفِّ الآخر .

وحَدُّ القُرب : أن يكون بينهما مقدار ما يَسَعُ للسُّجودِ وزيادة يسيرة .

5 - ومِن تسوية الصُّفوفِ وكمالها : أن يدنوَ الإِنسانُ مِن الإِمامِ ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لِيَلِنِي منكم أولُو الأحْلامِ والنُّهَى ) وكلَّما كان أقربَ كان أَولى ، ولهذا جاء الحثُّ على الدُّنوِّ مِن الإِمام في صلاة الجُمعة ، لأن الدُّنوَّ مِن الإِمام في صلاة الجُمعة يحصُل به الدُّنُو إليه في الصَّلاةِ ، وفي الخطبة ، فالدُّنُو مِن الإِمام أمرٌ مطلوب ، وبعضُ الناس يتهاون بهذا ؛ ولا يحرِصُ عليه .

6 - ومِن تسوية الصُّفوف : تفضيل يمين الصفِّ على شماله ، يعني : أنَّ أيمن الصَّفِّ أفضل مِن أيسره ، ولكن ليس على سبيل الإِطلاق ؛ كما في الصَّفِّ الأول ؛ لأنه لو كان على سبيل الإِطلاق ، كما في الصف الأول ؛ لقال الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلام : ( أتمُّوا الأيمن فالأيمن ) كما قال : ( أتمُّوا الصَّفَّ الأول ، ثم الذي يليه ) . وإنما يكون يمين الصف أفضل من يساره إذا تساوى اليمينُ واليسار أو تقاربا ، كما لو كان اليسار خمسة واليمين خمسة ؛ وجاء الحادي عشر ؛ نقول : اذهبْ إلى اليمين ؛ لأنَّ اليمين أفضلُ مع التَّساوي ، أو التقارب أيضاً ؛ بحيث لا يظهر التفاوتُ بين يمين الصَّفِّ ويسارِه ، أما مع التَّباعد فلا شكَّ أنَّ اليسار القريبَ أفضل من اليمين البعيد . ويدلُّ لذلك : أنَّ المشروع في أول الأمر للجماعة إذا كانوا ثلاثة أن يقف الإِمام بينهما ، أي : بين الاثنين . وهذا يدلُّ على أن اليمينَ ليس أفضلَ مطلقاً ؛ لأنه لو كان أفضلَ مطلقاً ؛ لكان الأفضل أن يكون المأمومان عن يمينِ الإِمامِ ، ولكن كان المشروعُ أن يكون واحداً عن اليمين وواحداً عن اليسار حتى يتوسَّط الإِمام ، ولا يحصُل حَيْفٌ وجَنَفٌ في أحد الطرفين .

 

ثالثا: ألفاظ التسوية:

قال الشيخ عبدالله بن صالح الفوزان:

أوجه نداء إلى أئمة المساجد أن يهتموا بتسوية الصفوف، ويأمروا المأمومين بذلك قبل تكبيرة الإحرام بألفاظ التسوية الثابتة في السنة؛ مثل: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، اعتدلوا، سوّوا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة، أتموا الصف الأول فالأول( 16) ، ونحو ذلك، ويختار من الألفاظ الواردة ما يناسب الحال، والأولى عدم زيادة: (رحمكم الله)؛ لعدم ورودها في أحاديث تسوية الصفوف.

 

رابعا: أخطاء في تسوية الصفوف:

قال الشيخ عبدالله بن صالح الفوزان:

وليس من تسوية الصف ما يفعله بعض الناس من ملاحقة من على يمينه ومن على يساره؛ ليلصق كعبه بكعب جاره، يفعل ذلك في القيام والركوع وبعد الرفع من الركوع. وهذا الفعل لا أصل له في تسوية الصفوف، وفيه أخطاء عديدة:

الأول: أن فيه اشتغالاً؛ فيه اشتغال بما لم يشرع، وإكثار من الحركة، واهتمام بعد القيام لملأ الفراغ، وفيه إشغال للجار بملاحقة قدمه.

الثاني: فيه توسيع للفرج بين المتصافين، ويظهر ذلك إذا هوى المأموم للسجود. وهذا يؤدي إلى عدم التصاق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبته، وكعبه بكعبه، فانظر كيف ضيّع هذا المصلي سنة من أجل فعل لا أصل له.

الثالث: فيه اقتطاع لمحل قدم غيره بغير حق، فإن جاره يفر منه وهو يلاحقه في مكانه الذي سبق إليه.

الرابع: فيه تفويت لتوجيه رؤوس القدمين إلى القبلة؛ لأن أكثر هؤلاء يلوي قدمه، ليلزقها بقدم جاره.

الخامس: أن رصّ الصفوف خاص بما يلي الإمام، فمن كان يمين الصف فحقه أن يسد الخلل ويتم الصف متجهاً إلى اليسار، ومن كان على يسار الإمام فيتجه إلى اليمين، وفي هذا الفعل مخالفة بينة لهذه السنة (17)

ولا دليل لمن يفعل ذلك بقول النعمان بن بشير المتقدم: (فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه)، فإن المراد بالحديث – كما يقول الحافظ في الفتح – المبالغة في تعديل الصف، وسدّ خلله(18) ؛ بدليل أن إلزاقه الركبة بالركبة حال القيام متعذر. وإنما ذكرت هذه الجزئية؛ لأني رأيت من يفعلها، ويحرص عليها ويناقش فيها، فرحم الله امرأ وقف عند السنة، ولم يفض به تطبيقها على الغلو والزيادة.

 

خامسا: تسوية الصفوف للمرأة : نقلا عن( موقع الإسلام سؤال وجواب):

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

 ومِن تسوية الصُّفوفِ : أن تُفرد النِّساءُ وحدَهن ؛ بمعنى : أن يكون النِّساءُ خلف الرِّجال ، لا يختلط النِّساء بالرِّجال ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خيرُ صُفوفِ الرِّجَالِ أوَّلُهَا ، وشرُّها آخِرُها ، وخيرُ صُفوفِ النِّساءِ آخرُها ، وشرُّها أوَّلُها ) فبيَّن عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنه كلما تأخَّرت النِّساءُ عن الرِّجالِ كان أفضلَ .

إذاً ؛ الأفضلُ أن تُؤخَّر النِّساءُ عن صفوفِ الرِّجَالِ ، لما في قُربهنَّ إلى الرِّجَال مِن الفتنة . وأشدُّ مِن ذلك اختلاطُهنَّ بالرِّجال ، بأن تكون المرأةُ إلى جانب الرَّجُلِ ، أو يكون صَفٌّ مِن النِّساءِ بين صُفوفِ الرِّجَال ، وهذا لا ينبغي ، وهو إلى التَّحريمِ مع خوف الفتنة أقربُ .

ومع انتفاء الفتنة خِلافُ الأَولى ، يعني : إذا كان النِّساءُ مِن محارمه فهو خِلافُ الأَولى ، وخلاف الأفضل " .

"الشرح الممتع" (3/7-13) باختصار .

 

سادسا: مسؤلية الإمام:

قال الشيخ عبدالله بن صالح الفوزان:

ولا يكفي أن يقول الإمام ذلك دون أن يلتفت إلى المأمومين – كما عليه بعض الأئمة – ثم يكبر ويترك الخلل والفرجات، وعلى الإمام أن يحيي السنة المهجورة، فيأتي بنفسه إلى ناحية الصف لتسويته، أو يرسل رجلاً لتسوية الصف، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرف بنفسه على تسوية الصف، قال أبو مسعود – عقبة بن عمرو رضي الله عنه -: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول:  "استووا ولا تختلفوا . ."(19)  ويقول البراء – رضي الله عنه -: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية، يسمح صدورنا ومناكبنا، ويقول: " لا تختلفوا فتختلف قلوبكم"(20) ، وجاء عن عمر – رضي الله عنه – أنه كان يأمر بتسوية الصفوف، فإذ جاؤوه فأخبروه أن قد استوت كبّر( 21) , فلعل الأئمة – وفقهم الله – ينتبهون لهذا، والله أعلم.

 

وقال الشيخ عبدالله بن جارالله الجارالله:

من مسؤوليات الإِمام: أَن يحرص على إِقامة الصفوف وتسويتها بالقول وبالفعل إِذا لم يفد القول، فيأْمرهم بتسوية الصفوف، وإِقامتها، ويؤكد عليهم، ويتوعدهم على مخالفتها، ويسويها بيده إِن لم ينفع ذلك، كما كان نبينا وإِمامنا وقدوتنا يفعل ذلك. فعن أَنس بن مالك رضي الله عنه أَن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "سووا صفوفكم فإِن تسوية الصف من تمام الصلاة" متفق عليه، وللبخاري "من إِقامة الصلاة" ولأَبي داود "رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأَعناق "، وله من حديث ابن عمر أَن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أَقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأَيدي إِخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان"- يعني الفضاء بين الرجلين فإِن الشيطان يدخل فيه من بين أَهل الصف -. قال صلى الله عليه وسلم: "ومن وصل صفاً وصله الله ومن قطع صفاً قطعه (22)  الله" .

وفي "الصحيحين" عن أَنس بن مالك رضي الله عنه قال: أُقيمت الصلاة فأَقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أَقيموا صفوفكم وتراصوا"، وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأَنما يسوي بها القداح حتى رآنا أَنا قد عقلنا عنه ثم خرج يوما فقام حتى كاد يكبر فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف فقال: "عباد الله لتسونَّ صفوفكم أَو ليخالفن بين وجوهكم" أَي بين قلوبكم كما في رواية لأَبي داود. وهذا وعيد شديد على من لا يسوون الصفوف، أَن يخالف الله بين قلوبهم، فتختلف وجهات نظرهم، وتضيع مصالحهم بسبب اختلافهم: وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصف من ناحية إِلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول لا تختلفوا فتختلف قلوبكم" (23). وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي يعني صفوفنا إِذا قمن للصلاة فإِذا استوينا كبّر" رواهما أَبو داود (24)

فانظروا قوله: "فإِذا استوينا كبّر"، هذه الجملة الشرطية تجدوها صريحة في أَنه صلى الله عليه وسلم لا يكبر للصلاة حتى تستوي الصفوف، ولقد أَدرك ذلك الخلفاء الراشدون والأَئمة المتبعون لرسول الله (، ففي "الموطأ" عن أَمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه "أَنه كان يأَمر بتسوية الصف فإِذا جاؤوه فأَخبروه أَن قد استوت كبّر وكان قد وكل رجالاً بتسوية الصفوف". وقال مالك بن أَبي عامر: "كنت مع عثمان بن عفان فقامت الصلاة وأَنا أُكلمه – يعني في حاجة- حتى جاء رجال كان قد وكلهم بتسوية الصفوف فأَخبروه أَن الصفوف قد استوت فقال لي: استو في الصف ثم كبّر".

رسالة إلى أئمة المساجد والمؤذنين والمأمومين : عبدالله بن جارالله الجارالله

المراجع:

أحكام حضور المساجد : عبدالله بن صالح الفوزان

رسالة إلى أئمة المساجد والمؤذنين والمأمومين : عبدالله بن جارالله الجارالله

موقع ( الإسلام سؤال وجواب)

 

([1]) أخرجه البخاري رقم (690)، ومسلم (433)، والرواية الثانية للبخاري.

(2) أخرجه مسلم رقم (432).

(3) أخرجه البخاري رقم (685)، ومسلم (436).

(4) أخرجه البخاري (724).

(5) فتح الباري (2/210).

(6) أخرجه أبو داود رقم (666)، وأخرج آخره من قوله: "ومن وصل صفاً . . "ابن خزيمة (3/23) والنسائي (2/93) والحاكم (1/213) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم لم يخرجاه" وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1/131).

(7) رواه الطبراني في الأوسط (5793) وانظر صحيح الترغيب رقم (502).

(8) أخرجه أحمد (5/316 الفتح الرباني)، وابن ماجه رقم (997) وغيرهما، وإسناده صحيح.

(9) أخرجه الطبراني في الأوسط (6/103، 115، 141) وروى الشطر الأول منه البزار (351 زوائده) وإسناده حسن؛ لأن فيه ليث بن أبي سليم، وهو سيء الحفظ، ويشهد له حديث ابن عباس الذي عند أبي داود (672) وأخرجه ابن حبان في صحيحه (5/52)، وابن خزيمة (1566).

(10) انظر معالم السنن للخطابي (1/334).

(11) أخرجه البخاري رقم 0692)، والرواية الثانية لأبي يعلى في مسنده (4/30) وسعيد بن منصور والإسماعيلي كما في فتح الباري (2/211). وسندها صحيح على شرط الشيخين كما في السلسلة الصحيحة (31).

(12) المصباح المنير ص(322).

(13) أخرجه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم (2/211 الفتح). انظر تغليق التعليق (2/302).

(14) أخرجه أبو داود رقم (671)، والنسائي (2/93)، وإسناده صحيح.

(15 انظر: الشرح الممتع (3/13).

(16) انظر: المصنّف لابن أبي شيبة (1/351).

(17) انظر رسالة: (لا جديد في أحكام الصلاة)، بقلم: بكر أبو زيد (ص9) وما بعدها. مجموع فتاوى ابن عثيمين (13/51).

(18) فتح الباري (2/211).

(19) تقدم قريباً.

(20) رواه أبو داود رقم (664)، والنسائي (2/89، 90)، وابن خزيمة (3/24)، وإسناده صحيح، وانظر صحيح الترغيب رقم (490).

(21) أخرجه مالك في الموطأ (1/158)، وانظر المنتقى للباجي (1/279)، وشرح السنة للبغوي (3/369).

(22) رواه أبو داود وإسناده صحيح.

(23) رواه ابن خزيمة في «صحيحه».

(24) وإسناده صحيح.

 

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.