الفوضى

الحمد لله الصلاة والسلام على آله وأصحابه اجمعين . وبعد

الفوضى : كلمه يتبرأ منها عقلاء الناس مسلمهم وكافرهم ويتفق الجميع على أنها صفة مذمومة .

فالفوضى تعني بعثرة الأوراق وعدم الانضباط .

انظر إلى أدراج مكتبك لترى الفوضى التي حلت به كأني بك ستشمئز لذلك وتسارع لترتيب كل شيئ في وضعه الصحيح . فكيف اذاً بحياة المسلم الداعية الى الله ألا يستحق مثل هذا الجهد ؟

ألا تستحق هذه النفس أن تعيد النظر فيما أصابها من غنم أعزم ؟

وحسبي في هذا المقام أن أبين 1- مظاهر هذه الصفة و 2- أسباب الابتلاء بها ثم أتبع ذلك وصايا أهل التربية في علاج هذا المرض .


أولاً: تعريف الفوضى .

تطلق في اللغة على معنيين :

1-اختلاط الأمور بعضها ببعض . يقال : أموالهم فوضى بينهم أ ي هم شركاء فيها .

2- التساوي في ألأمر أو الرتبة . يقال : قوم فوض . أي متساوون لارئيس لهم .

قال ألافوه ألأودي :

لايصلح الناس فوضى لاسراة لههم             ولا سراة اذا جهالهم سادوا


ثانياً- أثار الفوضى

  1. ضياع الأوقات والطاقات : فالفوضوي تذهب عليه الأوقات وهو يتخبط في احواله .

2- الفشل المحقق ولابد .

فالفوضوي واقف في محله أو يتحرك حركه بطيئه انها سنه ربانيه: ((العمل المنظم المتقن يتطور ويرتقي والعمل الفوضوي يتدهور وينهري ))

من غرس الحنظل لايرتجي                         أن يجني السكر من غرسته

3- الفتور والانقطاع

فالفوضوي لايرى ثماراً تشجعه على مواصلة الطريق فالمربي في حلقته حينما تكون أعماله ارتجالاً ولاتنظيم فبلا شك أنه لن يرى ثماراً تشجعه على الاستمرار في العمل فمن ثم تكون نهايته الفترة يعقبها توقف وانقطاع .


ثالثاً- صور من الفوضى .

1- الفوضى في طلب العلم

وهذا من أعظم الفوضى ففيه الفتوى على الله بغير علم .

فتجد الفوضاوي يقرأ كل مايقع في يده وينفق أمواله على كل كتاب تقع عليه يداه ويقول شيخ الاسلام بن تيميه رحمه الله :((ومن أعماه الله لم تزده كثرة الكتب الا حيره وضلالاً ))

ومن ذلك من يزعم أن مذهبه واسع فهو يقطف من المذاهب ألأربعه.

ومن سلك هذا طالب علم عنده من الحصيلة الشرعية ما تمكنه من اتباع الدليل والترجيح بين الأقوال فهو في حقه منهج مسدد .

أما الجاهل الفوضوي الذي يتتبع الرخص بين المذاهب أو يخبط خبط عشواء في هذا المذهب وذاك فمسلكه خطير وقد تكلم السلف في هذا فمن ذلك ما قاله سليمان التيمي - رحمه الله -:(( لو أخذت برخصة كل عالم أجتمع فيك الشر كله .))[2]

ونقل الشاطبي عن ابن حزم أنه حكى الاجماع على أن تتبع رخص المذاهب بغير مستند شرعي فسق لايحل )) [3]

ومن الفوضوية في طلب العلم . العشوائيه في تعلم العلم ! فهو يؤخر الأصول ويهتم بالفروع ويقدم آلة العلم على الكتاب والسنة .

وهذه لايرتضيها الربانيون اللذين قال الله فيهم (( ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون )) .

قال مجاهد رحمه الله : (( هم اللذين يربون الناس بصغار العلم قبل كباره فهم أهل ألأمر والنهي )) .[4]

2- الفوضوية في التعامل مع ألأوقات .

فمن مظاهر هذا النوع :

1- اعطاء العمل البسيط فوق مايستحق من الجهد والوقت

2- تضييع الساعات الطوال دون عمل البته

3- تراكم أكثر من عمل في وقت واحد .

4- قتل ألأوقات في أمور تافهه .

5- الخطوات اليوميه تمضي بلا تخطيط

3- الفوضوية في الصحبه والزيارة .

من المعلوم أن للصحبه منافع حميدة وذلك اذا أ حسن المرء اختيار من يصاحب .

3- الفوضوية في العبادات .

فتارة تجد الشاب يكثر من تلاوة القرآن ثم يتركه حتى يصدق عليه أنه هاجر للقرآن .

وتارة يصوم تم يترك الصوم . وتارة يقوم الليل ثم يدع قيام الليل .بل يتعدى ألأمر للفرائض فقد يصليها منفرد اً .

4- الفوضوية في الدعوة الى الله .

فمن الفوضوية أن تجد الرجل يربي جيلاً على العشوائية :

أ- العشوائية في البرامج المطروحة .

ب- العشوائية في الدروس الملقاة .

5- الفوضوية في التفكير .

وهذه هي(( المزاجية )) ولها صور منها:

1- الاقبال بشده على العبادات ثم لايلبث مده الا ويعود ربما أسوء من قبل .

2- عدم العدل في الحكم على الآخرين .

فيقول الله تعالى : (( واذا قلتم فاعدلوا )) فعندما يعجب الشاب بداعيه الى الله من حيث قوة اسلوبه فتجده يكيل له بالمدح والثناء . ثم بعد فترة تجده يذم كلامه واسلوبه .


أسباب الفوضى ومنها:

1- التشتت الذهني .

ويعني عدم القدرة على اتخاذ قرار صحيح ، ويبتلى المرء بالتشتت لعدة أمور منها .

ا- الركون الى الدنيا .قال صلى الله عليه وسلم : (( من كانت الدنيا همه جعل الله بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا الا ماقدر له ))[5]

ب- القلق وكثرة الهموم .

فيقول (( )) : (( شر آثار القلق تبديد القدرة على التركيز الذهني . فنحن عندما نقلق تتشتت أفكارنا ونعجز عن حسم المشكلات واتخاذ قرار فيها )) [6]

ج- كثرة الخلطة .

يقول ابن القيم في مدارج السالكين (1/9 8 4 ) : (( فأما ما تؤثره كثرة الخلطة ما امتلأ القلب من دخان أنفاس بني آدم حتى يسود ويوجب له تشتتاً وتفرقاً وهماً وغماً وضعفاً وحملاً لما يعجز حمله من مؤنة قرناء السوء واضاعة مصلحه والاشتغال عنها بهم وبأمورهم وتقسم فكره في أداء مطالبهم وارادتهم فماذا منه لله والدار الآخرة )) .

2- ضعف التربية .

فاللذين تربوا على أن لا يجعلون المسؤولية عليهم و انما على غيرهم وعطلوا طاقاتهم فستأتي عليهم الأيام بمسؤليات جسام . لا يدرون كيف يتعاملون معها وتراهم هكذا في فوضوية من أمرهم لا يحسنون ادارة امورهم لأنهم اعتادوا أن يدبر امورهم غيرهم .

3- الجليس الفوضوي .

وهذا له صور .

1- الأسرة الفوضوية .

فقد ينشأ الانسان في أسرة فوضوية لا تعطي للنظام أدنى رعاية أو أهميه .

ب- الصاحب الفوضوي .

وقد أحسن القائل :

لاتصحب الكسلان في حالاته         كم صالح لفساد آخر يفسد

    عدوا البليد الى الجليد سريعة        كالجمر يوضع في الرماد فيخمد

4- ضعف الإرادة .

فان ضعيف الإرادة يتخاذل فتميل نفسه الى الكسل فلا يكون فلا يكون حازماً في تنفيذ أعماله فمن الصعب من كان هذا حاله أن يرتب أعماله وواجباته وفق نظام عمل سليم .

أأبيت سهران الدجى وتبيته     نوماً وتبغي بعد ذاك لحاقي


الوصايا العامة :

  1. ملازمة التقوى :

قال تعالى : (( يأيها الذين آمنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ))

وقال صلى الله عليه وسلم :(( من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله ...))[8] الحديث

2- الدعاء والاستعانة .

فعلى العبد أن على الله أن يبارك في أعماله وأوقاته وأن يستعين با لله في أعماله كما في الحديث((اذا استعنت فاستعن بالله ))

اذا لم يكف عون من الله للفتى    فأول مايجني عليه اجتهاده .

3- ادراك العواقب المترتبه على الفوضى .

4- الاستفاده من الكتب التي جمعت خبرة وتجربة المنظمين لشؤونهم .

5- الاستشارة


[1] - الفتور ص.4

[2] - جامع بين العلم ( 2 / 1 9 - 2 9 )

[3] - الموافقات (4 / 4 3 1 )

[4] ا

[5] - رواه الترمذي

[6] - جدد حياتك محمد الغزالي 9 2

[7] -الداء والدواء ( 8 . 4 )

[8] - رواه الترمذي

 

التعليقات


`

اتصل بنا

الفرع الرئيسي

السعودية - الرياض

info@daleelalmasjed.com

رؤيتنا : إمام مسجد فاعل ومؤثر

رسالتنا: نقدم برامج تربوية تعيد للمسجد دوره الحقيقي وتسهم في رفع أداء أئمة المساجد حول العالم وتطويرهم ليقوموا بدورهم الريادي في تعليم الناس ودعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة وفق خطة منهجية وأساليب مبتكرة.